العمالة الأجنبية .. الخاصرة الرخوة لدول الخليج العربي

  • 10/4/2013
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

تطرق هذا العمود في أكثر من رسالة إلى العمالة الأجنبية في الخليج العربي، واليوم أعيد الكرّة لأن الدنيا التي نعيش فيها في تطوُّر متسارع وتقدُّم مستمر. ما نراه قويما وسليما ومقدسا اليوم قد ننظر إليه بعيون مختلفة غدا. للعمالة الأجنبية فوائد. هذا لا ينكر. حتى في السويد، البلد الفائق التطور، يستخدمون العمالة الأجنبية. ولكن هناك بون شاسع بين الوسيلة والغاية من استقدام الأجانب في السويد وفي ودول الخليج العربي. القادمون إلى السويد من أجل العمل أغلبيتهم من الأكفاء -أي من المفترض أن يكونوا ضمن شريحة تملك من المؤهلات ما لا تجده في السويد. والأمر المهم الآخر هو أنه يجري ليس فقط توطين القادم إلى السويد من خلال دورات تأهيلية كي يصبح عضوا فعالا في المجتمع بل يتم توطين خبرته للصالح العام. وأهم ما في الأمر هو أن الحياة في السويد -ذات التسعة ملايين نسمة واقتصاد خدمي وصناعي أكبر مما لدى الدول الخليجية قاطبة - لا تتوقف على القادم إليها للعمل. الاقتصاد برمته والقطاعات الأساسية الأخرى من تعليم وصحة ونقل وخدمات برمتها مبنية على أكتاف المواطن السويدي. وبمرور الزمن يتأهل الأجنبي -لا سيما الجيل الثاني أو الثالث- ويصبح سويديا وجزءا من دورة الحياة بتفاصيلها كافة. في دول الخليج العربي -لا سيما الدول الصغيرة فيه- الدورة الاقتصادية برمتها -أي الحياة- مبنية على الأجنبي، والأجنبي ليس جزءا من المجتمع ولكنه يؤثر فيه وفي حضارته وثقافته ولغته.. وغيرها. قد يقول قائل إن الدورة الاقتصادية في الخليج العربي في نمو أيضا. هذا صحيح لا سيما في القطاع الريعي، ولكنها تنمو وتزدهر على أكتاف الأجنبي ومن أجل الأجنبي. أي أن وجود الأجنبي بثقافته وحضارته ولغته وحتى دينه المختلف صار أمرا أساسيا لدورة الحياة. قد يقول قائل إن هؤلاء غير مقيمين وسيرحلون. هذا نظريا صحيح. ولكن في الواقع الاجتماعي يعد هذا خطأ كبيرا ولا يعتد به، لأن الذي يخرج ربما يأتي محله اثنان آخران، أي هو ذاته يعود ومعه شخص آخر. ماذا سيحل بالبلد العربي الذي تعداد مواطنيه 150 ألف نسمة وعدد الأجانب فيه نحو ثلاثة ملايين؟ الوضع الدولي الراهن قد يسمح حتى بانتهاكات لا يقبلها الحس الإنساني السليم، ولا أدنى مراعاة لحقوق الإنسان. ما يسمى بالمجتمع الدولي نظام منافق. يقبل انتهاكات هنا ولا يقبلها هناك مراعاة لمصالحه التي تحددها فكرة النفعية. والنفعية وما أدراك ما النفعية. إنها فلسفة أول من تتبناها الولايات المتحدة ومعها الدول الكبرى ذات المصالح والمنافع الاستراتيجية. وانطلاقا من هذه الفلسفة بدأت النظرة تتغير إلى بعض الدول الخليجية ومسألة العمالة فيها، واليوم بدأت الصحافة الغربية في شن هجوم لاذع تتهم فيه دولة خليجية محددة بتطبيق نظام العبودية في القرون الوسطى، رغم أن وضع العمالة فيها على مساوئه قد يكون أفضل من غيرها. وفورا دخلت على الخط منظمات حقوق الإنسان ومنظمات دولية أخرى. أظن أن أغلب ما أتى في الصحافة العالمية من إدانة لأسلوب تشغيل الأجانب في الخليج العربي يتفق مع الواقع الاجتماعي لهؤلاء العمال، ولكن المسألة ليست جديدة. لقد مضت عليها سنوات وعقود والوضع كان أسوأ بكثير مما هو عليه الآن. الدنيا تتغير لأن بعض الدول التي يعمل مواطنوها بالملايين في الخليج في دورها كي تدخل خانة عمالقة الاقتصاد ومنها الهند وإندونيسيا وماليزيا، هذه الدول صار لها شأن كبير للدور الذي تلعبه في الاقتصاد العالمي. العمالة الأجنبية خاصرة رخوة وأراها أكبر خطر تواجهه دول الخليج العربي، وهي في طريقها إلى أن تصبح عبئا اقتصاديا وسياسيا وتربويا وثقافيا وديموغرافيا لا طاقة لعرب الخليج بالتعامل مع تبعاته للتركة الثقيلة التي خلفها، وغياب سياسات عملية للحد من تأثيراته السلبية قبل استفحالها.

مشاركة :