استمرار مقاومة الفصائل يحرج نظام الأسد كونه يقدم نفسه المنتصر في الحرب ويأمل في إقناع المجتمع الدولي بأنه يواجه معارضة لا تذكر موزعة على جيوب في مناطق محدودة.العرب [نُشر في 2018/01/08، العدد: 10863، ص(7)]فصائل قوية تهدد دمشق بشكل مباشر بيروت – منذ سنوات تشكل الغوطة الشرقية الخاصرة الرخوة للنظام السوري، مع صمود الفصائل المعارضة فيها وقدرتها على استهداف العاصمة رغم الحصار المحكم، ما يرجح وفق محللين توجه دمشق إلى حسم عسكري في المنطقة بعد انتصارات على جبهات أخرى. وتحظى هذه المنطقة المحاصرة بشكل محكم منذ عام 2013 بأهمية لدى الفصائل المعارضة لكونها آخر أبرز معاقلها، وكذلك لدى القوات الحكومية التي تسعى لضمان أمن دمشق، بعدما تمكنت من استعادة السيطرة على أكثر من نصف مساحة سوريا. وتكثف القوات الحكومية قصفها على بلدات ومدن في الغوطة الشرقية منذ أسبوع، رداً على هجوم شنته فصائل جهادية وإسلامية على مواقعها قرب مدينة حرستا. كما تدور معارك عنيفة بين الطرفين. ويقول مدير أبحاث الشرق الأوسط في جامعة أوكلاهوما جوشوا لانديس للصحافة الفرنسية إن “استمرار مقاومة الفصائل في الغوطة الشرقية بات مسألة محرجة وعبئاً كبيراً على نظام الأسد، كونه يقدم نفسه المنتصر في الحرب ويأمل في إقناع المجتمع الدولي بأنه يواجه معارضة لا تذكر موزعة على جيوب في مناطق محدودة”. واستعادت قوات النظام تدريجياً منذ عام 2015 زمام المبادرة ميدانياً بعدما تمكنت من إلحاق سلسلة هزائم بالفصائل وتنظيم الدولة الإسلامية في آن واحد. ولعب التدخل العسكري الروسي إلى جانبها دوراً حاسماً في ذلك، وغالباً ما تنفذ الطائرات الروسية غارات على بلدات ومدن الغوطة الشرقية. ويوضح مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبدالرحمن في تصريحات لفرانس برس أن “الغوطة الشرقية هي فعلاً الخاصرة الرخوة للنظام، لأن الفصائل الموجودة فيها قوية وتهدد دمشق بشكل مباشر”. وبحسب لانديس “لا تزال فصائل الغوطة قادرة على شن هجمات على دمشق نفسها، معكرة صفو هدوء العاصمة”.ستزيد الضغوط على فصائل الغوطة الشرقية لدفعها إما إلى الاستسلام وإما إلى الموافقة على مصالحة وإما إلى الترحيل وتسيطر الفصائل المعارضة على أكثر من مئة كيلومتر مربع من الغوطة الشرقية. ويعيش في تلك المناطق المحاصرة، وفق الأمم المتحدة، نحو 400 ألف شخص. وأوقعت الغارات الكثيفة والقصف الذي يستهدف الغوطة الشرقية آلاف القتلى والجرحى منذ اندلاع النزاع في العام 2011، بحسب المرصد. ورغم ذلك لا تزال الفصائل المعارضة قادرة على استهداف دمشق بالقذائف التي حصدت المئات من الضحايا أيضاً خلال سنوات، وإن كانت وتيرتها تراجعت مع استرجاع النظام مناطق واسعة في ريف دمشق وتمكنه من عزل الفصائل. وبعد إقرار اتفاق خفض التوتر الذي يشمل الغوطة الشرقية، تراجعت وتيرة القتال والقصف لفترات محددة، قبل أن يتعرض الاتفاق لانتهاكات جسيمة آخرها الانتهاك الذي جدّ قبل أسبوع. وتسبب الحصار أيضا في حالات سوء تغذية حادة وفي نقص الخدمات الطبية الأولية. وتحذر منظمات دولية بانتظام من مأساة إنسانية حقيقية في المنطقة. ورغم تفاقم معاناة المدنيين المحاصرين، لا تزال لدى الفصائل المعارضة والإسلامية “حاضنة شعبية، إذ أن الآلاف من المقاتلين فيها من أهالي المنطقة” بحسب عبدالرحمن. ويعد جيش الإسلام الفصيل المعارض الأقوى في المنطقة ويسيطر على أكبر جزء فيها ويشمل مدينة دوما ومحيطها وبلدات النشابية ومسرابا وسواها. ويعد هذا الفصيل شريكاً في اتفاق خفض التوتر وهو ممثل على طاولة المفاوضات في جنيف. ويسيطر فيلق الرحمن ثاني أكبر الفصائل على ما يسمى بالقطاع الأوسط الذي يضم مدناً عدة أبرزها عربين وحمورية ومديرا. ولهيئة تحرير الشام (النصرة سابقاً) وجود محدود في هذا القطاع يقتصر على بعض المقرات. وتنفرد حركة أحرار الشام الإسلامية من جهتها بالسيطرة على مدينة حرستا ومحيطها على أطراف الغوطة الشرقية من جهة دمشق. وتخوض منذ أسبوع إلى جانب هيئة تحرير الشام معارك عنيفة ضد قوات النظام تمكنت خلالها من حصار إدارة المركبات، القاعدة الوحيدة للجيش في الغوطة الشرقية. ويتوقع المحلل المتخصص في الشأن السوري في مؤسسة “سنتشوري” للأبحاث سام هيلر في تصريحات لفرانس برس أن “يصعّد النظام عملياته لرد هجوم الفصائل واستعادة تلك المنطقة، مهما كلفه الأمر من قوات وتعزيزات”. وأفادت وسائل إعلام سورية في اليومين الأخيرين بأن تعزيزات للجيش وصلت إلى المنطقة للمشاركة في القتال. ويتحدث لانديس عن “إعادة تموضع القوات السورية للقتال في حماة (وسط) والغوطة الشرقية بعد إلحاق الهزيمة بتنظيم الدولة الإسلامية” في شمال وشرق سوريا. وإذا كان مسار الأمور يتوجه وفق هيلر “نحو حسم عسكري لصالح النظام في مناطق سيطرة فيلق الرحمن وأحرار الشام وهيئة تحرير الشام” فإن واقع الحال مختلف في مناطق سيطرة جيش الإسلام. وبحسب هيلر يمثل هذا الفصيل “قوة عسكرية لا يستهان بها ويسيطر على كتلة سكنية كبيرة يصعب على النظام هضمها”. كما أن من شأن “انخراطه في محادثات جادة مع الجانب الروسي أن يؤدي إلى حل تفاوضي يبقيه في مكانه بعد تقديم تنازلات معينة”. ويشكل إبعاد خطر الفصائل عن دمشق أولوية للنظام السوري، وهو ما قد يكون دفعه إلى الموافقة مؤقتاً على اتفاق خفض التوتر الذي يتوقع لانديس أن “يتلاشى تدريجياً في الأسابيع المقبلة”. ويقول “حتى الآن، فضّل الأسد تجويع الغوطة وقصفها بدلاً من إطلاق هجوم مكلف”. وأدت سياسة التجويع إلى استسلام مناطق عدة في ريف دمشق وغيرها من المحافظات خلال السنوات الأخيرة. ويتوقع لانديس “زيادة الضغوط على فصائل الغوطة الشرقية لدفعها إما إلى الاستسلام وإما إلى الموافقة على مصالحة وإما إلى الترحيل نحو إدلب”.
مشاركة :