التعددية الدينية .. واقع من؟ 2 - 2

  • 2/21/2015
  • 00:00
  • 9
  • 0
  • 0
news-picture

تحدثت في المقال الماضي عن طبيعة وواقع التعددية أو التنوع سواء كانت دينية أم مذهبية، وواقع الاختلاف، وتعرضت لبسط صورة عن حال الدول التي لها التاريخ الطويل في مشوار التعددية وماهيته عندهم مستعرضا نموذج دولة ماليزيا، والحقيقة أن ثقافة قبول التعددية أو التنوع الديني والتسامح والتعايش مع المخالف هي وليدة الحضارة الإسلامية التي وفرت مناخا ملائما لتلاقٍ إيجابيٍّ قائم على الأخذ والعطاء في الأفكار بعيدا عن السلبية، وقد عمل أطباء يهود ومسيحيون في مجال الطب إلى جانب أطباء مسلمين، كما ذكر ذلك ظهير الدين البيهقي في كتابه الماتع تاريخ حكماء الإسلام وأنتجوا سويا بحوثا علمية أفادت البشرية جمعاء، كما أن باحثين مسلمين مسيحيين ويهودا أجروا بحوثا مقارنة مشتركة في مجال العقيدة والأديان انطلاقا من كونهم يؤمنون بعقائد قائمة على التوحيد، والإسلام دين يقوم في جوهره على التسامح والاعتدال، والمسلم الحق هو الذي يتحلى بالسماحة والاعتدال، وبالتالي فإن الإسلام بوصفه دينا، والمسلمين كونهم جماعة، أبعد ما يكونون عن تهم التطرف والتعصب التي تلصق بالإسلام والمسلمين ليس من قبل غير المسلمين فحسب، وإنما من جانب بعض المسلمين الذين يدعون أنهم أصحاب أفكار ليبرالية مستنيرة. وفي هذا الصدد أذكر مقولة رئيس ماليزيا الأسبق مهاتير محمد في موسوعته: حول «المثقفين» الرافضين مبدأ التعددية والتسامح مع المخالف أو الآخر فنجده يقول: «يعد الدين الإسلامي أكثر عقيدة أسيء فهمها في وقتنا الحديث من قبل المسلمين أنفسهم ومن قبل غير المسلمين بطبيعة الحال، وقد بلغ المسلمون درجة من إساءة فهم دينهم تسببت في خلق حاجز يقف عائقا دون النفاذ إلى جوهر العقيدة، ويمنع غير المسلمين من السعي للتواصل والاحتكاك بهم، خاصة من بعض المثقفين، ويبدو أن المسلمين تناسوا أن أسلاف الغالبية العظمى منهم كانوا من غير المؤمنين بالرسالة المحمدية، لكنهم اعتنقوا الإسلام نتيجة للاتصال والتفاعل بينهم وبين المسملين. والتاريخ مليء بالمواقف التي تبين ذلك ومنها: ما ذكر ابن سعد في الطبقات: بعث رسول الله منصرفه من الجعرانة العلاء بن الحضرمي إلى المنذر العبدي وهو بالبحرين يدعوه إلى الإسلام، وكتب له كتابا، فكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسلامه وتصديقه، وإني قد قرأت كتابك على أهل هجر فمنهم من أحب الإسلام ودخل فيه، ومنهم من كرهه، وبأرضي مجوس ويهود، فأحدث إليّ في ذلك أمرك، فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنك مهما تصلح فلن نعزلك عن عملك، ومن أقام على يهوديته أو مجوسيته فعليه الجزية) من هذا المنطلق التعددي تمكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من تحويل هذه التجمعات اليهودية والنصرانية والمجوسية إلى جماعات من المواطنين في الدولة الإسلامية يدفعون ما تفرضه سياسة الدول ونظامها القانوني، ويحتمون بهذا الوفاق القانوني بقوتها وسلطانها، وفي المقابل يتمتعون باستقلال حكمهم الذاتي تحت راية العدل والقانون الإسلامي وسماحته. وأقول هنا إن السلبيات التي يراها بعض الباحثين طبيعية لأي دولة أو قطر تحمل تعددية دينية أو مذهبية، وهي تختلف بطبيعة الدولة ودستورها وقوانينها، ومن الصعوبة تطبيق أجندة واحدة على كل دولة من الدول خاصة الإسلامية، لذا عين الحكمة والاتزان والنظرة الواقعية التي تحفظ كليات الدين فحفظ النفس والمال مطلب ديني، وحفظ مقومات الدولة وقوتها وسيادتها مطلب وطني وهو لا يتعارض مع الشريعة، إذ الإسلام هو دين السلام والتسامح ونبذ العنف والإكراه وهو مسار يراه لتصحيح النظرة العامة عن الإسلام. الأستاذ المساعد بجامعة الملك فيصل

مشاركة :