عطفاً على الجزء الأول من هذا المقال، نقول إن البوصلة ضائعة لدى معظم التيارات السياسية المختلفة، وعندما نفرز المواقف نجد أن هناك من ينحي باللائمة على النظام السوري وحده، وما المعارضة السورية سوى الجماعات الجهادية، فهي القوى المعتدلة، والبعض يرى المعارضة الحقيقية في الجيش الحر، وبعض الواهمين يرون روسيا محور الخير وإيران قائدة محور الممانعة، التي تتصدى للإمبريالية الأميركية. هناك عصابات إرهابية ومرتزقة من مختلف الدول، ارتكبت مجازر بحق الشعب السوري والعراقي، وسيطرت على أراضٍ شاسعة فيهما، لكن من حوَّل المظاهرات السلمية إلى العنف المسلح، هو الأسد ذاته عندما أطلق قادة الجماعات الإرهابية من السجون، بعد أن استخدمها للتخريب في العراق، حتى يثبت للعالم وللشعب السوري والعربي، أن المعارضة عبارة عن عصابات إرهابية، بينما الشعب السوري يقف معه، أما الجيش الحر فقد تحول قادته إلى أثرياء حرب، ثم ذابت البقية منهم مع الجماعات الجهادية رغماً عنهم، فلم يعد هناك جيش حر تقريباً يعول عليه كمعارضة معتدلة، أما أميركا فقد ذهبت أسلحتها إلى الجماعات التكفيرية، أملاً بتدمير الجيش السوري وتفتيت الوطن السوري طائفياً، ومن ينظر بإكبار إلى روسيا فهي ليست الاتحاد السوفيتي، بل هي دولة رأسمالية تفعل ما فعلته كي تؤكد مكانتها كمحور ثانٍ، ولتعيد تقسيم النفوذ في العالم مع أميركا، وتشكل نداً لها في الشرق الأوسط. إن المهرجانات الخطابية التي تنظمها جماعات الإسلام السياسي، التي تندد بروسيا وإيران الطائفية، هي نفسها تنطلق من نفس طائفي، والدموع التي ذُرفت ليست على الشعب السوري، أو على حلب الجريحة بل على هزيمة «داعش» و»جبهة النصرة» وغيرهما، والتي بدأت تخسر مواقعها في كل من سورية والعراق، فأصبحت كالقط المحبوس، ترتكب جرائم في الدول العربية والغربية، مثلما فعلت عندما فجرت الكنيسة في مصر، وارتكبت جرائم في الكرك، وفي أجزاء من أوروبا، والضحية هم الأبرياء من المدنيين. صحيح أن أميركا خسرت معركة كسر العظم مع روسيا، وربما يتأجل مشروع التقسيم، فلم تعد أميركا وحدها المتحكمة بمصائر الشعوب، فخروج الدواعش وجبهة النصرة من حلب سيعني أن الدور قادم على الموصل ومصر، وقد تبدأ الشعوب العربية للالتفات إلى فلسطين المحتلة، فقد خسرت إسرائيل رهانها في سورية والعراق، ولذا بدأت بالتباكي على أطفال حلب، ونسيت المجازر التي ارتكبتها في حق الشعب العربي الفلسطيني وأطفاله. لا يجب على السياسيين المخلصين أن يبتلعوا الطعم، ويساندوا أميركا وبعض الدول العربية والإقليمية، وينسوا أهمية الحفاظ على الدولة الوطنية السورية وليس النظام، والحفاظ على الوحدة والهوية الوطنية، لا أن يدخلوا في لعبة الأمم أو اللعبة الطائفية، بل ترك الشعب السوري بكل مكوناته، يختار نظامه الوطني الديموقراطي المدني الحر، بذلك ننقذ الشعب السوري في حلب، من المجازر التي يرتكبها الجميع، فالتغيير لا يحدث من الخارج بل بيد الشعوب نفسها، للحفاظ على وحدة الشعب والوطن ومؤسساته الشرعية. الأمر بالتأكيد أعقد من التبسيط، والحديث عن التحرير سابق لأوانه، فالتحرير يكون من النظام الدكتاتوري بعد التخلص من العصابات ومن التبعية للأجنبي، والعودة إلى سلطة الشعب. osbohatw@gmail.com
مشاركة :