لم يتلق الشارع الدولي تنفيذ حكم المحكمة الدستورية بتركيا رفع الحظر عن المواقع الإباحية، وهو الحكم الذي صدر قبل عام ودخل حيّز التنفيد يوم أمس، بغرابة أو صدمة؛ فهي الدولة التي تسمح بالدعارة وتصدر لروادها التراخيص اللازمة كعمل تجاري منظم؛ فبين شوارعها الرئيسة والفرعية تنتشر دكاكين تجارة الجنس والبغاء، وتُباع الخمور على مرأى من أجهزة الدولة هناك، بل إن الدعارة المؤسسة تُدرُ لخزينة رجب أردوغان مليارات الدولارات بشكل سنوي، ويُفاخرون بهذا النشاط الاقتصادي الممقوت، الذي لا يعكس أخلاقيات الدولة الدينية كما يسميها البعض. لكن الغريب والصادم لفلول الإخوان ومن يجدون في تركيا وقطر حواضن لفكرهم المزدوج ونموذجاً للدولة الدينية المعتدلة، إنهم يهاجمون الحراك السعودي لتوطين الترفيه وتعزيز الاقتصاد السياحي، والاستفادة من الموارد الطبيعية في العلا والبحر الأحمر والقديّة، ويصفون هذا النهوض على أكثر من مسار بأنه تحرر من الدين وانقلاب على القيم الأصلية التي عُرف بها المجتمع السعودي متناسين أن "التجربة الأردوغانية" في تركيا سمحت بكل المحظورات الأخلاقية وباتت تركيا دولة علمانية خشنة وقُبلة لكل الباحثين عن السياحة الجنسية لكن المتيّمين والعاشقين -ومن الحب ما قتل- يدعون أنها علمانية "ناعمة" لا بأس بها. وبعيداً عن كونها علمانية خشنة أو رقيقة فهي تُدثر بشيء من الدين حتى يسهل تقبلها ويسهل هذا التمييع المستهنج؛ فنفس الآلات الإعلامية التي تهاجم القيادة السعودية وتسيّس كل حدث صمتت صمت القبور عن قرار إلغاء المحكمة الدستورية التركية القانون الخاص بالقرار الفردي لرئيس هيئة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بحظر الدخول إلى المواقع التي تدار من الخارج وذات محتوى إباحي حسب ما نشره موقع "روسيا اليوم" وتناقلته مواقع إخبارية، فأصيبت المدرعات الإعلامية بعطل طارئ أوقف قذائفها التي تطلقها صوب "الرياض" منذ انفجار الأزمة الخليجية التي تدخل عامها الثاني بعد أشهر قليلة، وحاولت أيضاً ضرب سمعة السعودية واتهامها بقمع حرية الصحافة في الوقت الذي يحجب فيه أردوغان عشرات الصحف المعارضة لسياساته، ويزج بعشرات الصحافيين في ظلمات المعتقلات، ويفتح المواقع المنحرفة للملايين من شعبه. لم تكن هذه الترسانة الإعلامية "التركية القطرية" وكتائب الجيوش الإلكترونية محبة للسعودية بقدر ما هو اصطياد لكل ما هو سلبي ومحاولات للتجييش واصطفاف واضح لتعطيل هذا الحراك الذي سيجعل السعودية -بحول الله- مقصداً سياحياً لكل الأقطار؛ لما تملكه من طبيعة وقوة استثمارية، ونمو اقتصادي متسارع حتى صدمة المُنهكين بتتعب العثرات بمشاريع ضخمة تُشيّد كل مدة وجيزة منها السياحي والترفيهي والصناعي واللوجستي. ففي الوقت الذي يعلن فيها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله- رؤية العلا المتضمنة لإطلاق محمية شرعان ومنتجع شرعان والصندوق العالمي لحماية النمر العربي وبرنامج الابتعاث الدولي، ترفع تركيا الحظر عن المواقع الإباحية فشتان بين من يبني اقتصاده من موارده الطبيعية وبسواعد أبنائه وبين من يصنعه من تجارة الجنس.
مشاركة :