تونس – تجمع العديد من الدراسات والبحوث النفسية والاجتماعية على أن أبناء المطلقين يتعرضون للعديد من المشكلات والمتاعب النفسية بسبب وضعهم الأسري حيث يؤثر عليهم انفصال الوالدين بطريقة أو بأخرى ومن أبرز هذه التأثيرات انعدام التوازن النفسي، وقصور في الاندماج ضمن المحيط الاجتماعي ومع الأقران، وتراجع في التحصيل المدرسي وغير ذلك من الصعوبات. وتنبه نتائج هذه الدراسات الأزواج المنفصلين إلى العديد من السلوكيات والإجراءات التي من شأنها أن تعمق الاضطرابات النفسية والسلوكية لأبنائهم والتي قد تمثل أحد دوافع فشل الابن في التواصل والاندماج الاجتماعي أو في تكوين أسرة عندما يكبر. وتمنح قوانين العديد من الدول العربية المتعلقة بالطلاق الحضانة للأم مثل القانون التونسي خاصة عندما يكون الابن في السنوات الأولى من العمر، وتتيح بعض التشريعات للابن الاختيار بين الوالدين عندما يكون في سن التمييز وقادرا على الاختيار، فيما تقضي بعض القوانين الأخرى بحضانة الأطفال للأب. وفي جميع الحالات يواجه ابن المطلقين وضعية حرمان من أحد والديه ومن أسرة متماسكة البناء يجمع أفرادها بيت واحد ويشتركون في كل شيء. ويزيد وضع هؤلاء الأبناء سوءا عندما يقرر الطرف الذي حُكم له بالحضانة معاقبة الطرف الآخر عن طريق حرمانه من ابنه أو باستخدام الطفل كوسيلة للضغط أثناء الخلافات بعد الطلاق والتي تتعلق معظمها بالأمور المادية وبكفالة مصاريف الطفل أو بأوقات زيارة الطرف غير الحاضن له. ليست الأمهات فقط من يستخدم الأبناء كوسيلة للضغط في حالات الانفصال فأحيانا يعتمد الآباء نفس الأسلوب وينتقد العديد من الآباء الذين يعيشون وضعيات طلاق في تونس أحكام حضانة الأبناء للأم التي ينجر عنها من وجهة نظرهم حرمانهم بالضرورة من أبنائهم إذ يتيح لهم القانون وقت زيارة محددا وغالبا ما يكون مرة واحدة في الأسبوع، ويقول هؤلاء ومن خلال تجاربهم الخاصة إنه عندما تزيد الخلافات مع الزوجة السابقة بعد الطلاق فغالبا ما يتم إقحام الأبناء في النزاعات. يقول صالح (43 سنة) مطلق ولديه ابن عمره 6 سنوات في حضانة والدته، “قانون الحضانة في تونس ظالم في حق الأب، فعندما يحكم قاضي الأسرة بحضانة الطفل لأمه وتتاح للأب فرصة يوم واحد في نهاية الأسبوع لرؤية واصطحاب ابنه، فإن ذلك غير كاف لا بالنسبة لي ولا لابني الذي يحتاجني”. ويضيف صالح “لسوء الحظ زادت الخلافات بيني وبين والدته بعد الطلاق لكونها أصبحت تتعمد حرماني من رؤيته وتختلق الأعذار لكي لا أتمكن من اصطحابه وزيارته يوم الأحد، ما جعلني أرفع قضية أمام قاضي الأسرة، ليقيني أن ما يدفعها إلى ذلك هو رغبتها في الانتقام مني، وأمام ما تأخذه هذه القضايا في المحاكم من حيز زمني طويل فقد حرمت من رؤية ولدي لما يزيد عن ستة أشهر، ولم أوفق في إيجاد حل حتى عن طريق الوساطات من الأقارب والأصدقاء”. ويشير صالح إلى أن الكثير من الآباء المطلقين في تونس يعانون مثله حيث تجعل الخلافات أو التأخر عن دفع نفقة الزوجة السابقة أو الابن أو غير ذلك من الخلافات الأم تتخذ من الأبناء سلاحا للضغط على الطليق أو للمقايضة أو لفرض شروط معينة، وفي جميع الحالات يدفع الأبناء فاتورة أخطاء لم يرتكبوها ويجدون أنفسهم وسط خلافات ونزاعات قانونية وتصعيد من أحد الطرفين دون رغبة منهم في ذلك. ويوضح صالح “أرى ابني يتألم من خلافاتنا ومن مقابلتي له بأمر من المحكمة في مركز للأمن، ورغم أنه لا يستطيع التعبير عن ألمه إلا أني ألاحظ العديد من التغييرات في سلوكياته تجاه الآخرين وتجاهي فهو يبدو حزينا ومضطربا أحيانا وعنيفا أحيانا أخرى. وفي بعض الحالات يفضل العزلة والصمت ولا يقبل حتى التحدث معي، مع العلم بأن أمه تتحدث عني بالسوء أمامه ما جعله يقول لي إني أخاف منك ولا أريد رؤيتك”. ابن المطلقين يواجه وضعية حرمان ابن المطلقين يواجه وضعية حرمان وليست الأمهات فقط الطرف الذي يحاول استخدام الأبناء كوسيلة للضغط في حالات الانفصال فأحيانا يعتمد الآباء عند تسليمهم الحضانة نفس الأسلوب ويحرمون الأمهات من رؤية وزيارة أبنائهم وقد انتشرت العديد من القضايا في هذا الشأن حتى عبر مواقع التواصل الاجتماعي حيث يسعى الأزواج للانتقام من طليقاتهم بالتشهير الإلكتروني وتصفية الحسابات عبر حرمانهن من الأبناء. ويعتبر مختصون في علم النفس أن العديد من المطلقين يقعون في سلوكيات لا واعية تبدو وكأنها ردة فعل تجاه تجربتهم الفاشلة في الزواج، وفي بعض الحالات يتعمد البعض من المطلقين اتخاذ قرارات والقيام بتصرفات لا تراعي وضعية أبنائهم، ولكن لا تنفي هذه الحالات وجود مطلقين يضعون مصلحة أبنائهم وتوازنهم العاطفي والنفسي قبل رغباتهم الشخصية. وتهتم هذه الفئة بتوازن شخصية الطفل وسلامة تكوينه الذي يقوم على وجود الأب مثل وجود الأم وبالتالي يحافظ الطليقان على مساحة من التواصل. وتوصي كيري مابونيا، مدربة طلاق في نيويورك في حديث لصحيفة واشنطن بوست الأميركية المنفصلين بعدم الاستماع إلى التعليقات السلبية بشأن الطلاق وخاصة تلك التي تصف حالتهم بالبيت المحطم أو الأسرة المشتتة وتشير إلى التفكير بإيجابية مع أبنائهم كأن يقولوا لهم: أصبح عندكم منزلان وليس منزلا واحدا، ومازلتم تنتمون إلى عائلة واحدة، وتقترح عليهم حضور المناسبات المتعلقة بالأبناء معا. وتؤكد مابونيا أن وجود الأب في حياة الطفل يساعد الأم في تربيته فيمكنها وضع حد للمشكلات التي تواجهها معه كأن تقول له “سأخبر والدك بتصرفك الخاطئ” خاصة حين يكون عنيدا ولا يطيع توجيهاتها، كما أن قرب الأب يشعر الابن بأنه مازال فردا من العائلة وبأنه يمكن أن يجده عندما يحتاج إليه.
مشاركة :