بينما نعيش اليوم فى هذا العالم المترامية أطرافه والذى يتطور من حولنا بشكل سريع، وفى ظل التقدم والتطور الذى نعيشه ويتسارع الجميع بل ويتصارع لمجاراته واللَّحاق به، يغفل البعض عن تحصين أولاده وبناته من مخاطره بسبب انشغالهم عنه أو انشغالهم به ويحتاجون هم أيضا لمن يحصنهم منه. لقد صرنا نغفل دور القيم والمبادئ التى تربت عليها أجيال سابقة لم يتوفر لديهم أدنى وسائل الراحة والرفاهية التى نتمتع بها اليوم. للأسف نحن نحيا فى مجتمع مهدد بالانهيار بين الحين والآخر بسبب فقدان الحب والاحترام المتبادل بين الناس وبعضهم البعض. فلم يعد يحترم الصغير الكبير ولا يبجل الأخ أخاه ولا الابن يراعى مشاعر أبيه وكبر سنه –إلا من رحم ربى-. فى زمن مضى كان الابن لا يستطيع أن يتجاوز عتبة بيته كل صباح متوجهًا إلى عمله دون ينحنى ليقبل يد أبيه وأمه، أما اليوم فحدِّث ولا حرج عن أمور ما أنزل الله بها من سلطان ولا تتوافق مع قيمٍ أو دين.وفيما مضى أيضًا كان الطالب لا يستطيع المرور من أمام بيت مُعلِّمِه ليس خشية منه بل احتراما وتقديرا له ولدروه، ولكن اليوم للأسف لم يعد هناك احترام من بعض الطلاب لمعلميهم لسوء خلق منهم، أو بسبب بعض المعلمين الذين يرغبون فى جمع أكبر قدر من المال منهم، وانتهاجِ ثُلَّةٌ قليلة منهم ممن يُطلق عليهم "مدرسو المهرجانات" نهجًا غريبًا فى تعليم طلابهم بأساليب لم نعهدها من قبل، بعيدة كل البعد عن أخلاقنا وقيمنا التى تربينا عليها، وتلك الأساليب والوسائل لا تخلو من الرقص والطبل والزمر وتكون بلا شك سببًا فى فساد أخلاق من يَدرُس وعدم احترامه لمن يُدَرِّس. وعندما يتخلى الأبُ أيضًا عن دوره فى تربية أبنائه ملقيًا كل العبء على معلميهم فهذا ظلم وإجحاف لهم، وعلى الأب أن يتحمل تبعات ذلك الفراغ الذى تركه خلف ظهره. صحيح أن التعليم مهنة سامية والمعلم له دور مهم وفعَّال بحكم خبرته ومكانته واحترام الجميع له فى توجيه النصح لطلابه وإرشادهم إلى ما ينفعهم ويرفع من قدرهم، غير أن العبء الأكبر يجب أن يتحمله الآباء الذين لا يتغيرون بتغير الوقت كما يتغير من يُعلِّمُ أبناءَه، ويجب على الآباء والأمهات ألا يتركوا أولادهم فريسة لتلك الوسائل الحديثة دون رقابة ليتعلموا منها كل شيء، بل ويكتسبوا منها تكوينهم الثقافى والاجتماعى، ويتخلوا عن دينهم وقيمهم ومبادئهم بداعى حتمية اللحاق بركب التقدم والتطور فتأخذ من أعمارهم دون أن تعطيهم. وبينما يشعر البعض أن العالم الذى يحياه الآن هو العالم المثالى الذى لبّى كل احتياجاته ورغباته ومتطلباته الدنيوية وأنه وصل إلى حد الاكتفاء، يجب على أصحاب الفطرة السليمة والعقول المستنيرة أن تقود هذا المجتمع ليعود إلى قيمه وعاداته التى تربت عليها أجيال سبقتها أجيال، كان العامل المشترك بينها جميعًا هو حب الخير للآخرين، وبالطبع هم بذلك لا يقودون المجتمع إلى التخلف والرجعية كما قد يدعى البعض، ولكن العودة إلى القيم والمبادئ التى نسمع عنها ولا نشاهدها هى عين الرقى والتحضر والتقدم. ولكن السؤال الذى يطرح نفسه كيف لهذا التغير أن يحدث فى المجتمع؟ ومن الذى سيقوده؟ آمل أن يشارك الجميع الصغيرِ والكبيرِ الغنىِّ والفقيرِ فى النهوض بهذا المجتمع كلٌ فى مكانه، فإن شرعنا فى ذلك بحق حتمًا سننجح، وعندئذ سننعمُ جميعًا بنتائجه، وسوف نجنى سويًا ثمار ازدهاره وتقدمه. ولا يمكن أن نغفل أيضًا دور الشباب فهو الذى يقع على عاتقه النهوض بجيله لكى يقودوا هذا المجتمع للتقدم والرقى فى كافة مناحى الحياة لا سيما الأخلاقية منها. قد يبدو الأمر صعبًا أن يتصدر الشباب المشهد ويكون عليه العبء الأكبر فى التطور والتقدم، ولكن هم أكثر فئات الشعب حماسًا وتطلعًا للمستقبل ويستطيعوا أن يبتكروا أساليب وأفكارًا جديدة ترتقى بالمجتمع، ولكى يستطيع الشباب تحقيق تطلعاتهم لا بد لهم من تشجيع ودعم غير محدود من كل أطياف المجتمع صغيرهم وكبيرهم، ذكرهم وأنثاهم. إذا أردنا بحق عودة الزمن القديم بأخلاقه وقيمه، لتكن أنت بدايته وأحسن إلى كل من حولك بداية من والديك مرورًا بمعلميك وصولًا إلى جيرانك وأصدقائك وأولادك حتى تنعم فى دنياك وآخرتك. فعَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلَاقًا) رواه الترمذى وصححه الألبانى. أمَّا إن تعودت أن تنام فى سِدرٍ مَّخضُودٍ متكئًا على سُرُرٍ مَّوضُونَةٍ دون مشقة أو نصب وإلقاء العبء على غيرك متناسيًا دورك فى إصلاح ما فسد، فلا أمل فى ظهور جيلٍ جديدٍ من الشباب ينهض بمجتمعهِ أو يشغلُهُ قيمُهُ وأخلاقُه.
مشاركة :