تنظيم القاعدة يطلق على اتباعه الحركيين المسجونين لدى الدولة بقضايا جنائية وإرهابية.. أسرى.. هذه المفردة باعتقادي تختزل الخلفية الفكرية التي ينطلق منها جماعات (الدين المسيس) سواء في شقها الحركي المتمثل في حركات العنف المسلح, أو في فرعها المنظر الأخواني, فكلاهما يمتلك مفهوما ضبابيا غير واضح المعالم للدولة ومؤسساتها بما في ذلك المؤسسات الأمنية, وهذا الأمر يبدو طبيعيا ويتبدى كنتيجة حتمية لإغفالهم البعد التاريخي و(قاعدة تغير الأحوال والأمكنة) في خطابهم الفكري, أي غياب الصيرورة الزمانية والتبدلات المكانية, ففكرهم يعاني من السكونية المغيبة للعقل الفلسفي والتي تختار أن تقارب العصر بلغة لا تنتمي إليه, وهم ضمن مثالية ساذجة يوزعون الأدوار بما ينسجم مع حدود وعيهم, فيستأثرون بدور الأبطال الأخيار في المسرحية التاريخية, ويترك للبقية ممن لا يتفق أو يتطابق مع أفكارهم دور الأشرار, ومن هنا نعي معنى أن يكون عضو التنظيم الذي فخخ السيارات ولغم الأحزمة وسفك دماء مدنين آمنين وروعهم وهدد استقرارهم, هو بطل أسير لا بد من اطلاق سراحه.. وليس مجرم حق عام وخاص لا بد أن ينال عقابه. وجماعات الدين المسيس أجندتهم محتشدة بالشعارات الدينية كسبيلهم الوحيد للوصول للسلطة بلا عميق اكتراث باشتراطاتها من تنمية وعمران وبرامج تقيل الانسان العربي من عثرة تخلفه المزمن, تماما كما ظهر مع جماعة الاخوان في العالم العربي وتحديدا مصر, الذين تناسوا بدهية جوهرية بأنهم مذ قبلوا الدخول في مضمار السباق السياسي كحزب يروج لبرامجه رفعت عنهم حصانة المقدس, وتحولوا إلى حزب سياسي يمتلك أجندة مطوقة بالقصور البشري في مراوحة بين الخطأ والإصابة, مع امكانية أن يتدهور أداء ذلك الحزب فيخلعه الشعب لمسوغات إدارية واقتصادية أو سياسية, وهو المشهد الذي تابعه العالم في مصر حول واقع شعب مستاء من التدهور التنظيمي لحكومة يلفظها ويرفضها, عندها فرت جماعة (الاخوان) بخيبتها إلى أرضها المفضلة الآمنة... أرض الشعار الديني وحولت اعتصام ميدان رابعة العدوية إلى معركة بين المسلمين وكفار قريش, في عملية هروب إلى يوتيبا أو أرض الحلم بعيدا من واقع يخبرهم بأنهم محض حزب سياسي بأجندة فاشلة. جدلية الدين /السياسة لم ولن تتوقف عبر تاريخنا الطويل وستظل طالما بقيت هناك جماعات تصر على (التترس ) بالنص الديني وعلى ارتداء مسوح المقدس بحصانة محرمة على المساءلة والمراجعة. فبعد حادثة جسر العليا ودماء الشابين الضحايا مابرحت رطبة في قبريهما بدأنا نصادف على وسائل التواصل الاجتماعي رسائل الذين تنادوا واحتشدوا وأخذوا في تجييش الاتباع لنصرة المتهمين في قضية جنائية, متوسلين نفس الطرح الغوغائي المغيب للوعي والذي يمنح القداسة لجماعة معينة, ويطلق يدها في المجتمع قتلا وتخريبا وإرهابا دون أن يُؤخذ على يدها وبعيدا عن سطوة الشرائع والقوانين... وكأننا نتخيل هذه الجماعة وتحت سقف هذا النوع من الحماية تتضخم وتتورم وتغدو كتيبة عنف مقدسة داخل المجتمع, كتيبة لا تخضع لاي سلطة ولا تنتمي لأي مرجعية تشريعية أو قضائية أو أمنية, ورغم هذا تقوم بمحاكمات شوارع (قرون وسطية) مرعبة حيث يتم فيها الاتهام والإدانة وتنفيذ حكم الإعدام بظرف دقائق وفي الموقع نفسه. خلعة القداسة التي يحاول البعض اضفاءها على بعض الأفراد أو التنظيمات, باتت مهلهلة ومفتضحة... وباتت المجتمعات تغص بها ولم يعد أحد يصغي إلى النواح واللطميات, بل بات الجميع يستهجن القطعان المذعنة المهرولة خلفها. تهلهل دروع العصمة وتفكك حصانة المقدس عن أسرى القاعدة... ومعتصمي ميدان عدوية.... وجسر العليا... تعلن بأن المجتمعات قد تجاوزت مراحل الوصاية.. والقمع الفكري.. وترفض المزايدة عليها أو التلاعب بعواطفها الدينية.. مجتمعات قد تحولت إلى مرحلة قلق الوعي... وحرقة السؤال الأهم .... لماذا؟؟
مشاركة :