يقال إن اليابانيين عندما سئلوا عن سر تفوق نظامهم التعليمي قالوا :-أعطينا المعلم حصانة دبلوماسي وراتب وزير. واليوم ونحن نشهد مقاربة ملف المعلم بهذا المشروع الاستثنائي (سواء على مستوى الكم أو الكيف) الذي أعلنه وزير التعليم قبل يومين.. سنعي أن هناك يدا خبيرة استطاعت أن تضع يدها على الداء، أو أحد أهم المعضلات التي كان قطاع التعليم يعاني منها، وهو إهمال دور المعلم وتغييبه على مستوى الجودة النوعية والتأهيل والتدريب رغم كونه قاعدة المثلث التعليمي ما بين طالب ومنهج ومعلم، فقد كان وضع المعلم الوظيفي لايختلف عن وضع أي موظف أرشيف في دائرة حكومية. بالطبع هذا المعلم كان بعيدا عن البعثات ما بطن منها داخليا أو ظهر خارج البلاد، أو التأمين الصحي، غياب البدلات والحوافز المرتبطة بمقدار الجهد المبذول اثناء اليوم المدرسي ما خلق حالة من الإحباط ونبرة من التذمر نسمعها بوضوح في قطاع التعليم، حيث كانت الوزارة تأخذ مكانة الخصم في غالب الأحيان. بينما تقييم الأداء الوظيفي لاتنعكس نتائجه على البدلات والحوافز المقدمة للمعلم أو المعلمة، سمعنا أن هناك رخصة معلم لابد أن تجدد كل عدد معين من السنوات لكنها ما برحت تائهة داخل دهاليز الوزارة. المعلم بين يديه أغلى ثروة قومية (الأدمغة) لابد أن يمنح رخصة ممارسة مهنة تماما كرخصة الطبيب الممارس، الذي لابد أن يحضر مؤتمرات ويقدم أوراق عمل، ويحضر ورشا عالمية، ويخضع لاختبارات كفاية، حتى يستطيع تجديد الرخصة. بالفعل نقف احتراما لهذا القرار الريادي الذي استهدف قاعدة المثلث التعليمي بقي هناك صلاحية إدارية مهمة لابد أن توضع في يد المسؤول وهي أن المعلم غير الراغب في التطوير أو التحسين أو إحداث فرق، لابد أن يقصى عن المهنة ببساطة ويفقد امتيازاتها، لاسيما معلم الابتدائي، فأطفالنا يدخلون المدارس وهم علامة استفهام كبرى محتشدة بالفضول والدهشة، ويغادرونها على شكل نقطة سوداء آخر السطر. أيضا من الأمور التي تلفت النظر في كلمة الوزير هو تأكيده على دعم وتفعيل مراكز الأحياء أي استثمار مباني المدارس بعد نهاية اليوم المدرسي. فنحن انتقلنا إلى المدن الكبرى ونحمل معنا ثقافة البلدات الصغيرة، حيث المحيط العائلي والاجتماعي هو الذي يحقق رغبات الفرد في التواصل والترفيه والمعرفة وتداول الثقافة الجمعية. الآن الفضاء المدني الحديث المترامي الأطراف له اشتراطاته، والمجتمع الصغير قطعت لحمته أنحاء المدينة الكبيرة، وهذا من شأنه أن يخلق اغترابا وخواء اجتماعيا خلف الأسوار العالية، المؤسسات الثقافية..الاجتماعية..باتت ضرورة حتمية لسكان المدن لتعويض الغياب وللتواصل والترفيه وتلبية الحاجة الفطرية داخلنا للعيش وسط الجماعة. وبالطبع ستكون مراكز الأحياء محاضن مهمة لترميم النقص. ولكن هنا لابد أن نعي أن سقف تطلعات هذا الجيل بات مرتفعا جدا، ووسط هذا الزخم المعرفي الذي يحققه له العالم الافتراضي، لم يعد يقبل بذلك الخطاب التقليدي الوعظي والمستهلك والذي يحاول أن يفرض وصاية على فضوله وذكائه وأسئلته.. مراكز الأحياء، لابد من خلال منظور مستنير أن تختزل داخلها القيم التاريخية والثقافية والمعرفية من ناحية، ولابد أن يكون هناك احتفاء بكل ما هو جديد ومختلف، أيضا لابد أن يكون هناك اهتمام بالآداب والفنون داخلها لأنها هي التي ترهف الذوق وتشحذ ذائقة الإحساس بالجمال، وإذا غابت هذه الرهافة الإنسانية حل بدلا منها كل ما هو عنيف ومتوحش، تماما كالمشاهد التي نشاهدها من تحطيم الممتلكات العامة وتمزيق الكتب. مراكز الأحياء لابد أن تكون أمرا مختلفا تماما عن المعسكرات الصيفية التي كانت تجيش اتباعا للأنظمة الإرهابية. مراكز الأحياء إن لم تقدم نشاطا استثنائيا برؤية مختلفة وأنشطة محفزة وذات مردود ايجابي فسيعزف عنها الجميع ستتحول إلى مراكز مهجورة مستنزفة للميزانية.
مشاركة :