بدأت علاقة الإنسان بالبيئة منذ نشأته على الأرض بالخوف من أخطارها وقسوتها، وجهله بالتعامل مع أسرارها؛ فأخذ يعمل ويناضل ويكافح من أجل تطويعها لمتطلباته وتأمين حياته ليحمى نفسه من أخطارها. ومع تطور حياته بدأ يتعمق فى أسرار الكون ومظاهر البيئة فقامت بينهما علاقة من التناغم والتوافق المتبادل) يستثمر البيئة فتعطيه مصادر الحياة بقدر ما يبذل فيها من جهد. ووصل الإنسان إلى عصر العلم والتقنية واهتدى إلى الكثير من أسرار الطبيعة وإلى ما في البيئة من تفاعلات بين المادة والطاقة وصارت مهمة علمه أن يوظف البيئة فى خدمته ليحقق لنفسه المستوى الأفضل. وقد أسهمت الكيمياء بالدور الأعظم في هذه النهضة الحضارية التى شملت شتى مجالات الحياة، ومن ثم تحول هذا التناغم بين الإنسان والبيئة إلى عداء مرة أخرى؛ فقد أسرف الإنسان إسرافا شديداً في استغلال أشياء كثيرة أخلت بهذا التناغم. فأسرف في استغلال الثروات الطبيعية من مصادر الوقود ومن خامات معدنية وغيرها، حتى بدأت مصادرها تشح بن يديه. كما أسرف في النشاط الصناعي فلوث الأنهار والبحار والهواء. وأفسد الأرض الزراعية بإسرافه في استخدام المخصبات والمبيدات. وتباينت الآراء حول من كانت الكيمياء صناعتهم- فرأى بعض الناس أن الكيميائيين هم ملائكة الرحمة الذين قدموا للبشرية بضاعتهم التي وفرت للشعوب سبل الرفاهية التي تأسست عليها حضارتهم في مختلف مناحي حياتهم. حيث يرى البعض أن للكيمياء الفضل الأعظم في الثورة الطبية التي قدمت لهم العقاقير التي قضت على كثير من الأمراض التي دمرت البشرية لآلاف السنين فامتدت أعمارهم إلى معدلات لم تعرفها البشرية من قبل، فقد ارتفع متوسط عمر الفرد من 47 عاما فى سنة 1900 إلى 75 عاما فى التسعينات. كما أنتجت الكيمياء المخصبات الزراعية ومحفزات النمو والمبيدات الحشرية فزادت المحاصيل وتنوعت أصنافها لتوفر الغذاء لهذه الزيادة المتسارعة في عدد السكان. كما واكب التطور الكبير فى علم الكيمياء تطوير وازدهار الحياة المادية لبلايين الأفراد من الملبس والمسكن وغيرهما. وفي الجانب الآخر رأى بعض الناس أن الكيميائيين هم شياطين الجن الذين دأبوا على تدمير الإنسان والبيئة. فتفاعلاتهم النووية أبادت ملايين البشر ومتفجراتهم (والتي منحوا عليها جائزة نوبل للسلام) وأسلحة الدمار الشامل من أسلحة كيميائية وبيولوجية وغيرها. إلى جانب مخلفات صناعاتهم الكيميائية التى تقضى على الزرع والضرع والتي لوثت الماء والهواء والتربة وتسببت في أمراض جديدة لم تعرفها البشرية من قبل، هذا عدا عن الكوارث البيئية العديدة من تغير في المناخ والاحتباس الحراري وتدمير طبقة الأوزون. تطور الحركة البيئية وظهور الوعي البيئي: حتى عهد قريب لم يكن العالم مهتما بتأثير المواد الكيميائية على صحة الإنسان وسلامة البيئة. وفي عام 1962 ظهر كتاب الربيع الصامت (1)Silent spring للكاتبة راشيل كارسون Rachael Carson والذي تحدثت فيه بإسهاب عن أثر بعض المبيدات الحشرية على بيض طيور متعددة وكيف تسببت مبيدات الـ (DDT) ومبيدات حشرية أخرى من تأثيرات قاتلة من خلال تسللها إلى السلسلة الغذائية، وكيف أن هذه المبيدات ثابتة كيميائياً ويتطلب تحللها سنوات عديدة. وهنا دق ناقوس الخطر فهبت المجتمعات وطالبت بوضع القواعد المنظمة لتصنيع واستخدام هذه المبيدات والحد من استخدامها أو إيجاد البدائل الأخرى الأقل خطورة على صحة الإنسان وسلامة البيئة؛ وفي عام 1986 سجلت الولايات المتحدة قائمة بعدد كبير من الكيماويات السامة التي تطلقها القطاعات الصناعية المختلفة. إلا أن هذا العدد هو جزء صغير من بقية الـ 75000 نوع من الكيمياويات المستخدمة حاليا في الصناعة والتي يتزايد عددها يوما بعد يوم ومن المؤكد أن جزءاً كبيرا منها يحمل سمية معينة. وقد سجل عام 1994 في الولايات المتحدة وحدها انطلاق أكثر من 2.26 بليون رطل لأكثر من 300 مادة خط إلى البيئة. ولكي نستوعب مقدار هذه الكمية نذكر أنه عند قراءة صفحة من كتاب ينطلق طن كامل من المواد الخطرة إلى البيئة! وتعتبر الصناعات الكيميائية هي الأكثر إطلاقا للمواد الكيميائية الخطرة عن بقية القطاعات الصناعية الأخرى؛ حيث يخرج من الصناعات الكيميائية أكثر من أربعة مرات من المخلفات من مثل التي تطلقها الصناعة التي تليها وهي صناعة الفلزات.
مشاركة :