أسوأ ما يمكن أن يعيشه الإنسان أن يشعر بالحرمان وعدم التقدير وهو يملك أعظم هدية يمنحها للآخرين .. العلم .. ولا يوجد أكرم من المُعلِّم ليجود بخبراته وثقافته على الصغار ويبنى عقولا وينشئ أجيالا تتوارث كنوز المعرفة والعلوم بشتى فروعها .. فما بالنا ونحن نرى هذا القدوة السخِّى يتقاضى أبخس الأجور ويتحمل أعباء الحياة بمكافآت هزيلة وحوافز ضعيفة، فيندفع نحو تيار الدروس الخصوصية ويخضع لإغراءاتها ومساوئها؟!.السؤال قديم، والقضية أقدم وأكثر عراقة وتأصيلا فى منظومتنا التعليمية .. وما يجددها رسالة استغاثة من أحد أصدقائى من أسرة التربية والتعليم يعانى مع زملائه من تدنى الرواتب الشهرية إلى درجة الشكوى والتذمر من حساب الأجر على أساسى عام ٢٠١٤ دون النظر إلى التغيرات المادية والاجتماعية الطارئة فى سوق العمل وحركة الاقتصاد الداخلى .. وتتجاوز المأساة حدود المنطق والعدالة عندما نكتشف أن فئات متنوعة من المدرسين لاتحصل على مكافآت الامتحانات وانتداب اللجان والملاحظة والتصحيح إلا على نفس الأساسى، بل ويجرى خصم الضرائب على أساسى ٢٠١٩ المفترض .. بينما يمتاز "شِلة" من الموجهين وكبار الموظفين فى الوزارة بالأجور المرتفعة والمكافآت الكاملة وتحظى بالرضا السامى و"نعيم" العطايا والمنح!.وبالطبع بلغ الوضع حد الاختناق، وسلك أغلب المعلمين مؤخرا طريق الإضراب والتهديد بالانقطاع عن العمل رفضا للسياسات الخاطئة والأساليب الملتوية، وبحثا عن "حقهم المهضوم" .. ويقودنا المشهد إلى تكرار النداء بـ "كادر المُعلِّم" وإعادة هيكلة بنوده وعلاج ثغراته .. حيث لايزال الراتب الأساسى عُرضة للتشوه وتدنى القيمة أمام طوفان غلاء المعيشة والأسعار فضلا عن متطلبات عائلة المدرس وتطلعات أفرادها لحياة كريمة ومستقبل آمن.وإذا كان من الصعب السيطرة على "صنبور" المكافآت المفتوح دائما لأصحاب الولاءات وأهل الثقة والمصلحة، فأولى بنا تعديل نظام الأجور للشريحة الأعظم من معلمينا، ومضاعفة رواتبهم ومكافآتهم بالصورة المُثلى التى تحفظ لهم كرامتهم واعتبارهم فى المجتمع على غرار الدول المتقدمة والراقية التى تدرك قيمة المدرس وتقدس مكانته ودوره فى البناء والنهضة عبر كل المراحل التعليمية .. ولنا أسوة فى بلاد وضعت مهنة التدريس على قمة هرم التكريم والتقدير المادى انطلاقا من أن المهن الأخرى لاترتقى ولاتنتج كوادر إلا من رحم "قلم" المعلم و"كشكول" علومه.- نتحدث عن المناهج وسبل تطوير محتواها .. ونرصد الميزانيات والأموال لتجديد المدارس وترميم المبانى وبناء الفصول .. ونعقد الاجتماعات لمناقشة مواعيد وجداول الدراسة والامتحانات .. ونقيم الندوات والجلسات لتلقى أفكار واقتراحات بهدف توفير الخدمة التعليمية المطلوبة .. ونحلم بـ "تابلت" لكل طالب .. نفعل كل هذا بنشاط وحماس، ونتجاهل أهم ركن جدير بالاهتمام والحماية .. روح المدرس .. وروحه فى قوته ومنحه ما يستحقه عقله وعرقه وأعصابه لكيلا يشعر دائما أنه فى ذيل القائمة .. وتسألون عن دولة العلم والتعليم، فكيف تُبنى وحامل رايتها أول ضحايا الهدم والتخريب؟! .. شئنا أم أبينا .. هذا هو بيت القصيد!.
مشاركة :