أوضح الشاعر مسفر الدوسري أن هناك فرقاً بين الشاعر الذي يكتب القصيدة بعيداً عن الأغنية وغالباً ما تكون مرصعة بالصور البلاغية والتراكيب الصعبة، وبين مؤلف الأغنية الذي يكتبها بمواصفات محددة تتماهى مع النغم، وقال إن الكلمة في الأغنية جزء لا يتجزأ من جوهر صناعتها؛ لذلك لمعت على مر تاريخ الأغنية أسماء كانت «مهنتهم» الكتابة للأغنية، تخصصوا في هذا المجال وأبدعوا فيه، وكان يطلق عليهم غالباً «مؤلفو أغنية»، هم لا يجيدون شيئاً كإجادتهم لكتابة كلمات أغنية، ولهذه الكلمات مواصفات معيّنة ومقاييس ومعايير تبدأ من الفكرة إلى التسلسل الدرامي في المقاطع، ولا تنتهي باختيار المفردات التي تلامس الشريحة الأكبر من المتلقين.وأضاف الدوسري: «تبقى هذه الكلمات التي يتم كتابتها حية مع وقف التنفيذ، إلى أن يمدها لحن ما بالأكسجين، فيعلن ميلادها على الملأ، ويحرر لها شهادة ميلادها، وقبل حدوث ذلك تبقى تلك الكلمات خديجة في حاضنة الزمن بين الحياة والموت، إلى أن تجد لحناً مميزاً، كانت هذه الميكانيكية التكاملية هي ما يعطي الأغنية ذلك الارتباط العضوي بين أركانها، ويكتب لها الخلود إذا ما أبدع أطرافها كلّ فيما يخصه».واستطرد الدوسري قائلاً: الآن الوضع اختلف كثيراً، فقد بقيت الكلمة عنصراً ثابتاً في الأغنية، ولكن تم استبعاد مؤلفيها، لقد سرق منهم الشعراء دورهم، دخل الشعراء الأغنية من النافذة فخرج مؤلفوها من الباب، ودخل الشعراء بكامل عدتهم من كلمات مفخخة بالصور الشعرية وتوريات وجمل بلاغية ووحدة عضوية للقصيدة، فشوهوا ركناً أساسياً من أركان القصيدة، وإن لم يهدموه من أساسه، استعرضت المفردة الشعرية عضلاتها وقوتها في الأغنية بكل أنانية وجلافة، لتكون هي البطل الرئيس على مسرح الأغنية، وما عداها «كومبارس»، حتى أن الألحان في الأغنية المعاصرة تراجع دورها كثيراً، وأصبحت تأخذ دور «السنّيد»، كما يطلق على الممثل الثاني في السينما أو المسرح، وليس كما كانت من قبل تتقاسم البطولة مع الكلمات، بل إن لها غالباً اليد العليا في نجومية الأغنية. لقد أفسد الشعراء بقصائدهم الأغنية، وأخرجوا كلماتها من ثيابها وتركوها في العراء، ساعدهم في ذلك ملحنون ينقصهم الوعي، وربما الإبداع الكافي، لدرجة أنهم قلصوا أدوارهم بأنفسهم وتركوا كراسيهم المتقدمة للشعراء في الأغنية، وجلسوا في الصفوف الخلفية «مُتمَتْرسين» خلف كلمات قصيدة.
مشاركة :