الجزيرة العربية والجغرافيا السياسية الإقليمية

  • 2/16/2019
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

المملكة العربية السعودية ومملكة البحرين ودولة الإمارات العربية المتحدة، ودولة الكويت، وسلطنة عمان، وقطر واليمن، لقد ظلت الجزيرة العربية تمثل على مر تاريخها نقطة الوصل ما بين القارتين الأوروبية والآسيوية. الجزيرة العربية هي أيضا مهد الإسلام وفيها يوجد الحرمان الشريفان في مكة المكرمة والمدينة المنورة. ظلت الجزيرة العربية في قلب المصالح الجيوسياسية والاستراتيجية على مر القرون والعقود الماضية وقد ازدادت أهميتها بعد اكتشاف مخزونات هائلة من الذهب الأسود؛ أي الثروة النفطية. في العصر الحديث، أصبحت منطقة الخليج العربي حاضرة بقوة في قلب المبادلات التجارية وشبكة المصالح الحيوية في الواقع الجديد الذي فرضته ظاهرة العولمة وطفرة تقنية المعلومات ووسائل الاتصالات التي حولت العالم إلى قرية صغيرة. ظلت منطقة الخليج العربي أيضا محل أطماع إقليمية ودولية لما تزخر به من ثروات طبيعية (نفط وغاز طبيعي على وجه التحديد) الأمر الذي جعل هذه المنطقة تمتاز عن غيرها من مناطق العالم بجاذبيتها الاقتصادية وأهميتها الاستراتيجية الكبيرة. تسببت المصالح المتناقضة والتدخلات الخارجية والتوجهات السياسية المتباينة في خلق الكثير من التوترات بين الدول المحورية في المنطقة كما أججت الصراعات والتوترات بين السنة الذين يمثلون الأغلبية في المنطقة والشيعة الذين يمثلون الأقلية، فضلا عن الانقسامات السياسية والإثنية والثقافية والدينية بين دول المنطقة وحتى داخل الدولة الواحدة في الشرق الأوسط والخليج. أصبحت دول الخليج العربي تفكر في مرحلة ما بعد النفط والاستعداد لنفاد الثروة النفطية وهو ما جعلها تركز في الوقت الراهن على الإسراع في تنويع اقتصادياتها والاعتماد على اقتصاد المعرفة وتوسيع قاعدتها الصناعية واللوجستية والنهوض بنظمها التعليمية. يقدم هذا الكتاب الجديد مقاربة شاملة لمنطقة الخليج العربي تشمل العوامل الجغرافية والتاريخية والاقتصادية والجغرافيا السياسية والاستراتيجية، وهي تعتبر اليوم مفاتح الشرق الأوسط لما تتميز به من أهمية استراتيجية وثقل اقتصادي كبير ومواد طبيعية كبيرة تتمثل في النفط والغاز الطبيعي. يحتوي الكتاب على عدة فصول مهمة تتناول منطقة الخليج العربي من عدة نواح وأوجه «الجزيرة العربية والأطماع الخارجية» و«تفتيت الجزيرة العربية»، «الجزيرة العربية والثروة النفطية» «الجزيرة العربية والعولمة - من الوفرة النفطية إلى التنوع» و«عوامل التوتر في الجزيرة العربية» وغيرها من المحاور المهمة الأخرى. يعتبر هذا الكتاب الذي صدر مؤخرا مرجعا مهمًّا لطلاب الجامعات والأكاديميين المختصين في الجغرافيا السياسية والقضايا الاستراتيجية في الشرق الأوسط، وخاصة منطقة الخليج العربي (الجزيرة العربية)، إذ إن المؤلف يسلط الضوء على أهم ملامح الجزيرة العربية، على ضوء المتغيرات السياسية والاستراتيجية التي طرأت على المنطقة. كتب المؤلف يقول: «تعتبر منطقة الخليج العربي؛ أي الجزيرة العربية، القلب النابض للعالم العربي وقد ظلت طويلا على هامش منطقة الشرق الأوسط. فقد كانت القاهرة ودمشق وبيروت العواصم العربية الثلاث التي تصنع فيها العديد من القرارات وتنطلق منها التيارات الأيديولوجية والسياسية التي تؤثر في العمق على المنطقة، إن كان ذلك سلبيا أو إيجابيا. في ظل التطورات التي طرأت على منطقة الشرق الأوسط أصبحت القضية الفلسطينية «المركزية تعاني من التهميش والإهمال في ظل الأحداث الناجمة عما يسمى الربيع العربي وتصاعد التوترات والمواجهة ما بين الدول الخليجية السنية من ناحية والجمهورية الإسلامية الإيرانية التي تسعى إلى التمدد والهيمنة في فترة ما بعد انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من العراق في ظل إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما». جعل المؤلف من المسألة النفطية محورا أساسيا في كتابه الذي يركز على منطقة الجزيرة العربية. فهو يتحدث عن الدول الخليجية العربية في ظل الوفرة النفطية كما يستعرض السياسات الرامية إلى تحقيق التنوع الاقتصادي من أجل الاستعداد لعصور النفط غير أنه يعتبر أن التحدي الذي تواجهه هذه الدول العربية الخليجية كبير وكان عليه أن تنطلق منذ عدة أعوام. فقد وضعت الخطط للخصخصة وتوسيع القاعدة الصناعية وتنويع مصادر الدخل والمراهنة على قطاعي تقنية المعلومات والاتصالات. جاء صدور هذا الكتاب في وقت بالغ الأهمية تشهد فيه المنطقة العربية ودول الخليج العربية مخاضا حساسا وتحولات اقتصادية واجتماعية وسياسية في منطقة معقدة وحساسة من الناحية الاستراتيجية. يخصص المؤلف مساحة واسعة للحديث عن إمارة دبي التي حققت طفرة كبيرة خلال ثلاثة عقود وتحولت إلى مدينة متقدمة ومندمجة في العولمة. يطرح المؤلف هذا السؤال: «كيف نجحت دبي في الاندماج في العولمة بمثل هذه السرعة؟ يعتبر المؤلف أن دبي قد نجحت في الاندماج في العولمة من خلال توسيع قاعدة مبادلاتها التجارية مع العالم، إضافة إلى السياحة وشبكة الطيران التي ترتبط بمختلف أنحاء العالم. يخلص المؤلف إلى القول بأن الجزيرة العربية، وبحكم موقعها الجغرافي الاستراتيجي في العالم تعتبر أقدم مناطق العالم التي تحمل «إرهاصات العولمة» في الكرة الأرضية. فقد عرفت الجزيرة العربية إرهاصات العولمة منذ القدم مع تعاقب الحضارات الإنسانية، مثل حضارة دلمون التي قامت بالدرجة الأولى على النشاط التجاري. كانت الجزيرة العربية منذ القدم مرتبطة ارتباطا وثيقا بأقوى الطرقات التجارية البرية والبحرية مع العالم الذي كان معروفا للشعوب والحضارات في العصور القديمة. كانت الجزيرة العربية أيضا تمتاز بمكانة استراتيجية في شبكة الطرقات التجارية التي تمر عبرها البضائع الرائجة مثل البخور والبهارات والصمغ الراتينجي. أصبحت الجزيرة العربية في العصر الحديث مصدرا للكثير من الصادرات من النفط والغاز الطبيعي، إضافة إلى اللؤلؤ من البحرين وغيرها من المناطق الخليجية في مطلع القرن العشرين الماضي. تعتبر منطقة الخليج العربي اليوم من أقطاب عولمة المبادلات التجارية. إدراكا منها بأن الوفرة النفطية قد تتقلص وتنتهي، أطلقت دول مجلس التعاون الخليجي حزما من السياسات والبرامج والخطط الرامية إلى تنويع نظمها الاقتصادية وخاصة مطلع الألفية الثالثة، وقد بدأ التركيز خاصة على الصلب والتجارة والسياحة والتعليم والثقافة، وهو ما أسهم في رفع النسب الاستهلاكية وإطلاق المشاريع التنموية العملاقة ومشاريع البنى التحتية، وقد أصبحت مدينة دبي رمزا حقيقيا وقاطرة للتنمية في المنطقتين الخليجية والعربية. أسهمت الوفرة النفطية في تسريع الطفرة العمرانية في دول مجلس التعاون الخليجي، وقد تجلى ذلك في مشاريع البنى التحتية العملاقة التي غيرت وجه العواصم والمدن الخليجية، في ظل تحسن شبكة الطرقات وتطور وسائل النقل والاتصالات فيما تظل الجهود السياسية متواصلة من أجل تنويع الاقتصاد ومصادر الدخل. أسهمت القطاعات الاستراتيجية - مثل التجارة والسياحة - في مساعدة دبي على تحقيق طفرة اقتصادية وعمرانية هائلة والاندماج في العولمة أكثر من أي دولة خليجية أو عربية أخرى. خلال أربعين سنة تحولت دبي إلى منصة رئيسية من منصات التجارة الإقليمية والعالمية. صدرت مؤخرا عدة كتب ومؤلفات تركز على تحليل الأوضاع الاقتصادية والسياسية الراهنة في دول مجلس التعاون الخليجي ومنطقة الشرق الأوسط والشمال الإفريقي. نذكر على وجه الخصوص كتاب «التاريخ والجغرافيا السياسية في الشرق الأدنى والأوسط» الذي ألفه بيير فيرلويس. المؤلف فرانك تيتار أكاديمي جامعي مختص في الجغرافيا السياسية والعلاقات الدولية. بعد أن أمضى خمس سنوات في التدريس في دولة الإمارات العربية المتحدة (2011-2016) ألف كتابا بعنوان «الجزيرة العربية، قلب الجغرافيا السياسية في الشرق الأوسط» وقد صدر عن دار آرمان كولن قبل بضعة أشهر. يشارك المؤلف أيضا في إدارة تحرير مجلتي «الشرق الأوسط» و«كارتو» في الفترة بين 2009 و2011. ألف الدكتور تيتار عدة كتب نذكر منها على وجه الخصوص: «القوميات الإقليمية: التحدي الأوروبي» (سنة 2009) وكتاب «أطلس الديانات» (2015) كما أنه يتولى منذ سنة 2013 إدارة النشرة السنوية «الأطلس الكبير».

مشاركة :