في شمال العاصمة الباكستانية إسلام آباد، وعلى هضبة صغيرة تحت جبال مارغالا تحديداً، الواقعة في أقصى غرب جبال الهيمالايا، يتربع مسجد الملك فيصل بن عبدالعزيز ثالث ملوك السعودية، منذ العقد السابع في القرت الماضي. ولدت فكرة المسجد خلال زيارة قام بها الملك فيصل إلى باكستان عام 1966، وطرحت حينها فكرة إنشاء مسجد وطني في العاصمة الباكستانية، واطلق عليه الباكستانيون اسم الملك الراحل فيصل، لدعمة المشروع وتمويله بالكامل، إضافة إلى اطلاق اسم الملك فيصل على الطريق المؤدي له، تكريماً لجهوده الداعمة لبلادهم. وعلى رغم التقدير الذي يكنه الشعب الباكستاني لقادة المملكة كافة، إلا أن للملك فيصل مكانة خاصة في قلوبهم، ويعد «فيصل» من الأسماء المنتشرة بين الباكستانيين. وفي 1969، أقيمت مسابقة دولية لاختيار أفضل تصميم للمسجد، شارك فيها مهندسون من 17 دولة، قدموا 43 نموذجاً مختلفاً لتصميمات مساجد، ووقع الاختيار على تصميم المهندس التركي ودعت دالوكاي، الذي اختار شكل الخيمة البدوية للمسجد، لتكون بذلك تصيميماً فريداً وغير تقليدي، منح مسجد الملك فيصل شهرة عالمية، إضافة إلى أربع منارات. واستغرق بناء مسجد الملك فيصل أو «مسجد شاه فيصل» كما يطلق عليه الباكستانيون، عشر سنوات، إذ بدء العمل فيه عام 1976 وحتى 1986، وبلغت كلفة بنائه حينها 130 مليون ريال سعودي، ويمتد على مساحة خمسة آلاف متر مربع، ويتسع لحوالى 300 ألف مصل. ويمكن القول إن مسجد الملك فيصل في إسلام آباد من أكبر المساجد في منطقة جنوب آسيا، ويتميز عن غيره من المساجد بافتقاره إلى القبة التي صممت على شكل خيمة عملاقة ذات ثمانية أوجه، مكسوة بالرخام الأبيض، وتدعمها أربع دعامات اسمنتية عملاقة، ويتوسط التصميم هلال ضخم، ذهبي اللون، يبلغ قطره حوالى 14 قدماً، وبهذا يبتعد تصميم المسجد عن التقليدية لفن عمارة المساجد، خصوصاً في جنوب آسيا التي تتميز عادة بالقباب مختلفة الأحجام والأشكال. ويمثل المسجد وبناؤه الفريد وتصميمه غير تقليدي تحدٍّ للمهندسين القائمين على المشروع، ما جعل منه إحدى التحف المعمارية الفريدة في العالم. ولم يتوقف التميز والتفرد في تصميم المعماري للمسجد من الخارج، بل كان تصميمه الداخلي فريداً هو الآخر، إذ يشمل عدداً من برك المياه والنوافير، إضافة إلى زخرفة الجدارن التي جعلت منه تحفة معمارية إسلامية. ويحوي المسجد بركة مياه تضم سبع نوافير متوسطة الحجم تحيط في القاعة الرئيسة للصلاة داخل المسجد من جهة الشمال، لتشكل مع المسجد والمنطقة المحيطة به لوحة فنية جذابة، وإلى الجهة القبلية للقاعة توجد كذلك بركة ماء تضم 18 نافورة صغيرة الحجم تمتد مياهها إلى الداخل، وتهدف إلى توفير نسمات من الهواء البارد في قاعة الصلاة. ويمتد تصميم المسجد الفريد وهندسته الجميلة إلى القاعة الداخلية، التي تستقبل الداخل بنافورة مياه ذات تصميم فريد، كما تتميز قاعة الصلاة الرئيسة بعدم احتوائها على أي أعمدة وتبلغ مساحتها 490 متراً مربعاً، بينما يبلغ ارتفاع القاعة 45 متراً، وتتوسطها ثرية ضخمة ذهبية اللون تزن 6.5 أطنان، وتنار بـ1100 مصباح كهربائي، ويمكن للقاعة الداخلية للمسجد أن تستوعب عشرة آلاف مصلٍّ، ويزين جدار القبلة في المسجد أنواع من بلاط الخزف الملوّن نقشت عليه كلمة التوحيد بالخط الكوفي للفنان الباكستاني صادقيان. أما محراب المسجد فصنع من الرخام الأبيض وصمم على شكل قرآن مفتوح، نقشت على جوانبه أسماء الله وصفاته الحسنى، بينما نقشت في وسطه سورة الرحمن بخط كوفي بالنحاس المطلي بالذهب، ويتوسط المحراب نقش للفظ الجلالة بحجر لازورد الكريم في إطار من النحاس المطلي بالذهب. أما منبر المسجد فيضم ثماني درجات، وصنع أيضاً من الرخام الأبيض، وصمم على شكل منارة تتوسطها سورة الفاتحة بحجر لازورد الكريم في إطار من النحاس المطلي بالذهب، ويضم الطابق الأرضي للمسجد منطقة مخصصة للوضوء، مرصوفة بالرخام الأبيض وتتوسطها نافورة كبيرة، وحرص منفذو المسجد أن تكون جدارنه مميزة إذ تم كسوها بالخزف الملون. ويحتل مسجد الملك فيصل في إسلام آباد المرتبة الاولى باعتباره أكبر مسجد في العالم في الفترة من عام 1986 وحتى 1993، ولكن تراجع إلى المركز الثاني بعدما تفوق عليه في المساحة والحجم مسجد الحسن الثاني الذي إنشاءه في الدار البيضاء المغربية، وتراجع إلى المرتبة الرابعة من حيث المساحة بعد التوسعات المتتالية التي شهدها كل من المسجد الحرام في مكة المكرمة والمسجد النبوي في المدينة المنورة، ولكن ظل متفردا في تصميمه وتحفة معمارية فريدة على مستوى العالم.
مشاركة :