الأمن البحري.. مقاربة في المفاهيم والمرئيات (3-3)

  • 2/18/2019
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

لقد أصبح من البداهة القول إن التعليم والتدريب والمعلومات والتصنيع البحري هي الركائز الأساسية لتوفير مقومات الأمن البحري، وحيث إن مهام الأمن البحري عديدة ومتشعبة وتتداخل فيها العلوم والمعارف، فإن رجال الأمن البحري بحاجة دائمة إلى تطوير إمكاناتهم العلمية وتعميق تخصصاتهم، لاسيما أن مستجدات العلوم لا تقف عند حد معين، ومن ثم فإن التخرج في كلية بحرية أو أمنية أو عسكرية والحصول على البكالوريوس لضباط الأمن البحري، والاشتراك في دورة تخصصية في الأمن البحري، يمثل نقطة الشروع في عالم الأمن البحري المترامي الأطراف، لذا فإن الدول التي حققت مراتب متقدمة في مكانة وإمكانيات ضباط أمنها البحري ومساعديهم، وتمكنت من تعزيز قدراتها العلمية والتقنية في مجال الأمن البحري، هي تلك الدول التي جعلت التعليم والتعلم والتدريب في هذا المجال عملية دائمة ومستمرة، حيث إن طواقم أساطيلها ثلث منها ملتحق بالتعليم والتدريب بالأكاديميات المتخصصة، وثلث عاد توا من التعليم والتدريب، وثلث يتهيأ للالتحاق بالتعليم والتدريب، بالإضافة إلى التعليم والتدريب على رأس العمل على أمتن أساطيلها البحرية، وبذلك فإنهم لا يتيحون المجال لأي فجوة علمية أمنية أو تقنية إن تتخلل خلسة إلى ميدان عملهم، الأمر الذي ينجم عنه تواصل وتنامي الإبداع والابتكار وسيادة ثقافة التميز في أداء مواردهم البشرية أفرادا وجماعات، وليزرعوا في داخلهم روح التنافس العلمي لحل مختلف المشكلات التي تواجههم في ميادين عملهم، إذ إن العلاقة جدا وثيقة بين العلم والتعلم والتفكير الإبداعي وحل المشكلات بأنماطها وأنواعها المتعددة، علاوة على أن التعليم يزرع في نفوس المتعلمين حُب الإنجاز والتقدم، ويُعزّز شعور التّنافس لديهم، ليتمكنوا من لعب دور قيادي فاعل في صناعة المشهد الأمني البحري الدولي. أما مراكز ومعاهد التدريب الأمني البحري فإنها تتخصص في تقديم دورات مهنية احترافية ارتقائية وخدمات استشارية تواكب الإيقاع السريع في التطورات العلمية والتقنية التي تشهدها الصناعات البحرية بحقولها المتعددة كتصنيع السفن والمعدات البحرية والأسلحة، فضلا عن الدورات المتعلقة بتقنيات المهام البحرية الأخرى كمكافحة المتسللين وكشف عمليات التهريب، والحفاظ على نظافة البيئة البحرية، وآليات عمل المنصات البحرية وغيرها من المهام التي يشارك فيها الأمن البحري جهات فنية وتخصصية أخرى، وبما يؤدي إلى تمكين الكوادر الأمنية البحرية من مواجهة تحديات الأمن البحري المختلفة. وتعد المناورات البحرية المشتركة بين عدة دول، واحدة من الأساليب الارتقائية العملية في التأهيل والتدريب حيث تحقق مجموعة من الأهداف منها: تطوير الشراكة الاستراتيجية في مجال الأمن البحري بين الدول المشاركة في المناورات، وتعزيز التعاون العملي والميداني بين القوات البحرية المشاركة، والتدرب ميدانيا على آليات التنسيق في مواجهة الأعمال غير المشروعة في البحر، ورفع قدرة القوات البحرية المشاركة على مواجهة التهديدات والتحديات الأمنية خلال العمليات العسكرية المشتركة في البحر، وإظهار (استعراض) قدرات القوات البحرية للدول المشاركة في الحفاظ المشترك على السلام والأمن والاستقرار في المنطقة وردع من تسول له نفسه الاعتداء على أي من دولهم، والاطلاع المشترك على أحدث السفن والتقنيات والأسلحة والقدرات التخطيطية والتعبوية والسوقية للقوات البحرية والقوات والوحدات الساندة لها لكل الدول المشاركة في المناورات. وبما يقود إلى تطوير القدرات العملياتية للقوات البحرية، سواء في المجال القتالي أو في مجالات البحث والإنقاذ ومقاومة التلوث وتبادل المعلومات وتحليلها. كما تعد المؤتمرات والورش والندوات العلمية والمعارض المتخصصة بالأمن البحري أساليب حيوية في التعليم والتعلم والاطلاع على المستجدات التي يصعب أن تلاحقها مقررات الأكاديميات بذات السرعة والمرونة التي تتيحها المؤتمرات والورش والندوات والمعارض المتخصصة. فإن تنظيم المؤتمرات والورش والندوات وحضورها له فوائد جمة، أبرزها أننا نقابل فيها من يشاركنا في المرئيات والاهتمامات العلمية والمدركات المعرفية، وقد يكون لديهم حل لمشكلة تواجهنا أو انشغالات أمنية أو تكنولوجية تقلقنا. فقد ثبت أن أكثر من (70%) من حلول المشاكل العلمية والصناعية والاقتصادية، تنبثق عبر التفاعل المباشر أثناء المؤتمرات واللقاءات العلمية. وهي ليست حاصل جمع المحاضرات أو الأوراق التي تقدم في المؤتمرات والندوات والورش، ولكن أيضًا محصلة تفاعل لقاءات ليست بالضرورة مخططا لها، في المحادثات والنقاشات الجانبية في ردهات المؤتمرات والندوات والورش وعلى هامشها، وغالبا ما ينجم عن تلك اللقاءات تعاون علمي وعلاقات اجتماعية وعلمية، وقد تؤدي إلى تشكيل شبكات علمية ومجموعات بحثية أو صياغة أطر مؤسساتية لتبادل الخبرة والمعلومات، وبناء المهارات والقدرات البحرية القتالية والأمنية، فضلا عن توطيد العلاقات مع المراكز والمنظمات والهيئات المنظمة لتلك المؤتمرات أو الندوات أو الورش المعنية بالأمن البحري في الدول الشقيقة والصديقة، وبما يتيح تنسيق التعاون وتبادل المعلومات معها، خاصة أن المعلومات عنصر مهم ومؤثر في الأمن البحري، لذا فإن الدول الصديقة والمتشاطئة أو المتجاورة تحرص على تبادل المعلومات فيما بينها. ولا يقل حضور المعارض المتخصصة بالأمن البحري أو الصناعات البحرية أهمية عن الحضور والمشاركة في المؤتمرات والورش والندوات ذات الصلة بهذه التخصصات الحيوية، حيث تتيح المعارض فرص رؤية أحدث المبتكرات الصناعية والتقنية البحرية، وكيفية استخدامها والنتائج المتوقعة من اقتنائها. أما التصنيع البحري الوطني الذي يتضمن صناعة وإصلاح وتطوير السفن والمعدات الملاحية والعسكرية البحرية بأنواعها المتعددة، فإنه يسهم بشكل كبير في تعزيز قدرات القوات البحرية للدولة ويمنحها فاعلية أكبر لمواجهة التحديات الأمنية وصولا إلى تمكين قطاعاتها العسكرية البحرية من حفظ الأمن والاستقرار البحري. وكلما كان التصنيع البحري يعتمد أحدث التكنولوجيات القائمة عالميا، ويتم إنجازه محليا بأيدي مواطنة مدربة ومؤهلة، ويستهدف صنع القطع البحرية الأكثر فاعلية في حفظ الأمن البحري كالفرقاطات والغواصات الحديثة وغيرها، أسهم في تعزيز قدرات القوات البحرية على ردع العدو، ومنعه من التفكير في الاعتداء عليها، وتحقيق الأمن وحماية الحدود البحرية والمصالح الاقتصادية، وتوفير حرية الملاحة البحرية الآمنة ودعم أمن الموانئ والمضايق الوطنية والإقليمية، وأصبح محفزا لتشجيع توطين حزمة من النشاطات الاقتصادية المرتبطة بالبحر. ‭{‬ أكاديمي وخبير اقتصادي

مشاركة :