الأمن البحري.. مقاربة في المفاهيم والمرئيات (1-3)

  • 2/4/2019
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

في ظل تنامي التهديدات التي تواجه الإنسان المعاصر وتعدد مصادرها، يصبح التفكير الاستباقي الجاد لحفظ أمن الدول والأفراد ضرورة تستلزم البحث العميق والدراسة الواسعة، بدءا من إجراء المقاربات الفكرية، التي تؤسس لبناء قاعدة رصينة للأمن بمختلف أنماطه. وحيث إن مملكة البحرين جزيرة وسط الخليج العربي، فإن هذا الموقع الاستراتيجي بقدر ما يمثل ميزة نسبية كبيرة الأهمية تتيح لها الانفتاح على العالم، وتيسر لها التبادل التجاري والنقل عبر البحر، وتوفر لها موارد غاية في الأهمية مصدرها البحر كالثروات السمكية والغوص للبحث عن اللؤلؤ، أو نتيجة إطلالتها على البحر كالسياحة البحرية والرياضات البحرية وخدمات الموانئ، وخدمات الأحواض الجافة وغيرها فإنه يمثل لها أيضا مسؤولية إضافية وتحديا كبيرا ولا سيما في ظل تصاعد التهديدات البحرية كالقرصنة والتسلل والتهريب وتلويث مياه البحر بالنفايات الصناعية وغيرها، لذا نحاول بسلسلة من المقالات التعرض بالتحليل لمجمل القضايا والانشغالات المتصلة بالأمن البحري، ونبدأ بالمقاربات والمفاهيم الفكرية منطلقين من مقولة سامية لصاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان رعاه الله «أن تنمية الاقتصاد غاية والأمن والاستقرار وسيلتها، والتنمية المستدامة نتاجها وهدفها الأسمى». ويقصد بالأمن الطمأنينة واستبعاد الخوف وعلى كل الصعد التي ترتبط بالإنسان، فالأمن شامل لا يتجزأ كما ورد في قوله تعالى في سورة قريش «الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ»، ووصفه تعالى لمدينة مكة في سورة التين «وَهَذَا الْبَلَدِ الأمِينِ» وقول رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم: (مَن أصبحَ منكم آمنًا في سربِهِ، مُعافى في جسدِهِ عندَهُ قوتُ يومِهِ، فَكَأنَّما حيزت لَهُ الدُّنيا). ويعرف المحلل الأمني باري بوزان الأمن بأنه «العمل على التحرر من التهديد»، وفي سياق النظام الدولي فهو «قدرة المجتمعات والدول على الحفاظ على كيانها المستقل، وتماسكها الوظيفي ضد قوى التغيير التي تعتبرها معادية لنظامها». فيما يعرفه الخبير الاستراتيجي الفرنسي الدكتور داريو باتيستيلا بالقول «الأمن موضوعيا يرتبط بغياب التهديدات ضد القيم المركزية، وبمعنى ذاتي، فهو غياب الخوف من أن تكون تلك القيم محور هجوم» وهي تتمثل في «بقاء الدولة، والاستقلال الوطني، والوحدة الترابية، والرفاه الاقتصادي، والهوية الثقافية، والحريات الأساسية،... إلخ». أما الأمن البحري فهو أحد أنواع الأمن العسكري الذي يقصد به قدرَة الدولة واستعدادها العسكري على حماية أرضها وحدودها ومياهها ومواطنيها، وأموالهم وممتلكاتهم الخاصة والعامة من أي تهديدات خارجيّة قد تمس بها وتسبّب لها الضرر. والأمن البحري أمن تخصصي مرتبط بالبحر كوسط مائي، ومن ثم فإنه أحد أنواع الأمن الاقتصادي أيضا، لما يمثله من مورد اقتصادي كبير، ويرتبط ويتكامل مع أمن أراضي الدولة الداخلية وأمن أجوائها ارتباطا وثيقا خاصة في نواحي التخطيط والإعداد والتحليل والعمل المشترك الخاص بالأهداف النهائية المتعلقة بأمن الدولة الشامل، والذي يتضمن النواحي العسكرية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ويتميز عن بقية النواحي الأمنية الأخرى في أنه ذو صفة عسكرية لها جانبها التنفيذي من قبل القوات البحرية وخفر السواحل (كأدوات لتحقيقه وفرضه) ويرتبط بمنظومة الدفاع الجوي للدولة ومنظومة الإنذار المبكر عن أي أهداف بحرية أو جوية معادية في المياه الإقليمية والاقتصادية، فيما عرفه مركز الأمن البحري العماني بأنه: مجموعة الإجراءات والطرق والوسائل المتخذة من قبل الجهات ذات العلاقة لتأمين الحماية ضد المخاطر الأمنية البحرية أو النشاطات غير المشروعة والتي تعرض المصالح الوطنية والمنشآت الحيوية للدولة للخطر، وذلك على امتداد السواحل والمناطق البحرية والتي تشمل البحار الإقليمية، والمناطق المتاخمة، والمناطق الاقتصادية الخالصة والجرف القاري. فيما يرى المحلل الاجتماعي الدكتور أشرف غربيال أن الأمن البحري هو علم اجتماعي، لذا تم إضافة تخصص جديد في العديد من الكليات البحرية وغير البحرية وهو تخصص علم الاجتماع البحري الذي يتفرع إلى اتجاهين رئيسيين هما: الأمن العسكري البحري، والأمن الاقتصادي البحري، وقد تضمن مختلف الظواهر الاجتماعية داخل البحار والمحيطات بما في ذلك ارتباطه بالإيكولوجيا والأنثروبولوجيا البحرية. وقد اختص بفرعين رئيسيين في علم الاجتماع البحري هما علم الاجتماع الملاحي، الذي يتناول بالتحليل كل ما يحدث داخل البحار والمحيطات وأثره على التفاعل الاجتماعي على متن السفن، وعلم اجتماع الموانئ المرتبطة باليابسة والمطلة علي البحار بما تشتمل على ممارسات مهنية متنوعة ذات ظواهر وأبعاد اجتماعية مختلفة، وقد نجم عن ذلك دراسة مفهوم الأمن من الجانب الواقعي اعتمادًا على نظريات القوة والعنف كبعد تنفيذي للأمن، أسوة بالعمل الشرطي والاستخباري، وأيضًا التفرع إلى الجانب المثالي لتناول الأمن من خلال منظومة خدمية لخدمة المجتمع البحري، كالمناطق اللوجستية البحرية، والشركات والتوكيلات الملاحية، وأعمال الشحن والتفريغ، والسياحة والرياضات البحرية، وغيرها، بمعنى أن الأمن المثالي بعيد عن السيطرة والقوة والعنف؛ أي تقديم ما هو مرتبط بالمجتمع البحري من خدمات تتمثل في مختلف النشاطات المهنية التي تخدم الجانب الاقتصادي لذلك المجتمع. وعموما فإننا نعتقد أنه كلما تزايدت التحديات الاقتصادية والمالية مقرونة بالتحديات الأمنية والسياسية، تطلب الأمر وضع استراتيجيتين متلازمتين، هما استراتيجية للأمن الوطني متضمنة الأمن البحري باعتباره المجال البحري لهذه الاستراتيجية لصيانة استقرار البلاد وحماية شعبها، واستراتيجية للأمن الاقتصادي للحفاظ على المنجزات التنموية واستمرار نموها فضلا عن تأمين الاحتياجات المعيشية والترفيهية لمواطنيها بما ينسجم مع سياساتها الاقتصادية وأسلوب حياة مواطنيها وبما يخلق بيئة اقتصادية واجتماعية مستقرة، وهنا لا بد أن يثار تساؤل هل استراتيجيتا الأمن الوطني والأمن الاقتصادي استراتيجيتان متنافستان أم متكاملتان؟ وإذا كانت النظريات الاقتصادية تجمع على أن هاتين الاستراتيجيتين تتنافسان من حيث الاقتطاع من الموارد الاقتصادية والبشرية المتاحة، فإنهما متكاملتان من حيث تلازم تحققهما، فلا أمن من دون تنمية، ولا تنمية من دون أمن راسخ. ‭{‬ أكاديمي وخبير اقتصادي

مشاركة :