منع بروكسل اندماج «سيمنز» و«ألستوم» يثير الغضب

  • 2/21/2019
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

ربما يكون إنفاذ شروط المنافسة من عدمها، هو الأداة الأقوى في جعبة الاتحاد الأوروبي التنظيمية. بجرة قلم، يستطيع المسؤولون الأوروبيون تشكيل الأسواق، وتجاوز القرارات التي تتخذها الشركات. على أن القضية هي أن لكل جرة قلم من تلك الشاكلة، تأثير مباشر وفوري في الاستثمار والأرباح والوظائف. لذلك عندما تشتكي أقوى الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي من أن قواعد المنافسة قديمة، وقد عفا عليها الزمن وتحتاج إلى إصلاح شامل، من المهم الاعتدال في جلستنا والاهتمام بسماع ذلك. في الأسبوع الماضي، طالبت كل من فرنسا وألمانيا بإجراء تغييرات على سياسة المنافسة في الاتحاد الأوروبي، للسماح للصناعة الأوروبية بالتغلب على الشركات العملاقة المدعومة من الدولة في الصين. لقد كانت الدولتين تستجيبان لقرار المفوضية الأوروبية المتمثل في منع إنشاء خط سكة حديدية يوازي في حجمه شركة إيرباص، من خلال عملية دمج عمليات السكك الحديدية كل من شركتي سيمنز الألمانية وألستوم الفرنسية. كان قرارا تاريخيا. ادعت الشركتان أن عملية الدمج من شأنها أن تؤدي إلى إيجاد شركة أوروبية قوية قادرة على الوقوف في وجهة السكة الحديدية الصينية الضخمة "سي آر آر سي". حكمت اللجنة بأن فقدان المنافسة في بعض الأسواق الأوروبية لقطارات فائقة السرعة، من شأنه أن يكون كبيرا فوق الحد، مع خطر حقيقي يتمثل في رفع الأسعار بالنسبة للمستهلكين، وتراجع الابتكار. قال برونو لو مير، وزير المالية الفرنسي، إن القرار خطأ اقتصادي وسياسي. وشكك في التحليل الأساسي المستخدم من قبل بروكسل للتوصل إلى هذا الاستنتاج، مضيفا أن القواعد "قديمة" على أية حال. لدى رجال السياسة الفرنسيين تاريخ طويل من الاعتراض على البيروقراطيين في بروكسل. لذلك فإن الأمر الأكثر دهشة في هذا المقام هو الطريقة التي اتخذها بيتر ألتماير، وزير الاقتصاد الألماني، ليعارض قرار اللجنة. قال الوزراء إنهم سيعملون على تشكيل مقترحات مشتركة قبل نهاية أيار (مايو) المقبل، لتغيير قانون الاتحاد الأوروبي من أجل أن "يتم الأخذ بعين الاعتبار مطالب المنافسة الدولية بشكل أفضل". إلا أنه لا يزال يلزم بالضبط معرفة كيف يمكنهم تحقيق ذلك دون تعريض نظام مجرب ومختبَر من حيث ضبط عمليات الدمج وحماية المستهلكين. كما سيحتاجون أيضا إلى إقناع أغلبية الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بتقديم الدعم ومساندة أي تغييرات يتم اتخاذها. الأمر الذي يبدو أن باريس وبرلين تريده هو منح قادة الاتحاد الأوروبي السلطة لنقض القرارات المتعلقة بالاندماج، وهي خطوة من شأنها تدمير اليقين القانوني لعملية المراقبة. كما تريدان أيضا إلزام المسؤولين في الاتحاد الأوروبي بالأخذ بعين الاعتبار مدى تأثير الشركات الصناعية العملاقة في الصين، في الأسواق الموجودة خارج الاتحاد الأوروبي، عبر السماح لعمليات الدمج المثيرة للجدل أن تمضي قدما، بحيث تخضع لعمليات الرقابة اللاحقة من قبل بروكسل، على الرغم من أن من المؤكد أن العملاء والمنافسين هم الأقدر على تقييم الأداء أكثر بكثير من المسؤولين. يبدو أن العاصمتين تشعران بالظلم بالذات الآن، بعد استثناء اللجنة لكل من اليابان وجنوب كوريا والصين، أكبر سوق في العالم حتى الآن، حين توصلت إلى تقييمها بأن شركتي سيمنز وألستوم هما في الأصل من الشركات القيادية الواضحة، وستصبحان أكثر سيطرة عندما يتم دمجهما في شركة واحدة. على أن بروكسل استبعدت تلك الأسواق الثلاث تحديدا لأنها منغلقة أمام المنافسة الدولية. كما تفحص مسؤولو الاتحاد الأوروبي أيضا آفاق شركة سي آر آر سي المستقبلية والمتمثلة في اقتحام أسواق أخرى، وتوصلوا إلى أن العقبات التنظيمية والسياسية تقف الآن في وجه الشركات الصينية المتمردة، في كثير من الأماكن التي تكون فيها الحواجز أمام الدخول، مرتفعة للغاية. الأمر الذي ينطوي على ضرر أكبر هو أن أية محاولة لإضعاف أولوية مصالح المستهلكين، ستؤثر في الضوابط التي تتحكم في عمليات الدمج. سياسة المنافسة موجودة لتخدم العملاء، بما في ذلك الشركات الصناعية الأخرى الموجودة في جميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، التي يبلغ عددها 28 دولة، وليس لخدمة بلدين من ذوي المصالح الاستثمارية الكبيرة، فحسب. كما أشارت مارجريت فيستاجر، مفوضة المنافسة في الاتحاد الأوروبي، إلى أنه ليست هنالك هيئة مسؤولة عن المنافسة في العالم لا تكون خدمة العملاء هي هدفها الأساسي. على أية حال، تسمح القواعد في الأصل باستخدام النقص من أجل المصلحة العامة في مختلف المجالات، مثل تعدد وسائل الإعلام والأمن. كما تسمح أيضا بالتدخل الحكومي عندما يكون بالإمكان تقديم حجة تبين فشل السوق. كل من بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا تصب الآن مبلغ ملياري يورو في مجال الإلكترونيات الدقيقة، للمساعدة على رعاية المشاريع الأوروبية في مجال "إنترنت الأشياء". قد يكون تصنيع البطاريات هو المجال التالي. في الوقت نفسه، يستعد الاتحاد الأوروبي لإنفاق مبلغ 100 مليار يورو في مجال البحوث والابتكار بدءا من عام 2021، وحتى عام 2027. لا يمكن لسياسة المنافسة أن تكون ثابتة وغير قابلة للتغيير. قريبا سيتعين على الاتحاد الأوروبي تحديث أدواته لتناسب العصر الرقمي، عندما تصبح إمكانية الوصول إلى البيانات ضرورية في ظل منافسة سليمة في الاقتصاد. قد لا تستمر صناعة إنتاج السيارات الأوروبية لفترة أطول دون القدرة على الوصول إلى البيانات. لقد بدأت فيستاجر في إجراء مراجعة ستؤدي إلى التوصل إلى مقترحات خاصة بالمفوضية المقبلة، والتي من المقرر أن تتولى مسؤولياتها في نهاية العام. إضعاف الضغوطات التنافسية للسماح للشركات الأوروبية بأن تمارس خطرا أكبر على الشركات الصناعية الصينية العملاقة، سيكون بمنزلة جدع أوروبا لأنفها ليصبح وجهها أكثر قبحا. الحاجة تدعو إلى وجود روافع أخرى في هذا المقام، مثل المعاملة التامة بالمثل في التوريد للجهات الحكومية ومزيد من الإجراءات النشطة ضد المساعدات المقدمة من الدولة. وعلى العكس من ذلك، فإن من شأن تقليص الابتكار ودفع أسعار الخدمة الحديدية إلى أعلى في أوروبا، أن يمثل هدية لرأسمالية الدولة في الصين.

مشاركة :