كم خفقت قلوب المصريين والسوريين ومعهم الأمة العربية عند إعلان الوحدة بين مصر وسوريا في 22 فبراير 1958. كان ذلك اليوم بمثابة تحطيم أغلال الاستعمار، كان يومًا تصافحت فيه عيون وآذان الشعبين بالأهازيج والرياحين، لقد كانت القاهرة ودمشق حديث العالم وصحوة الشعوب العربية في اللحاق بالوحدة مع مصر وسوريا. في تاريخ 30 ديسمبر 1957 خرج الشعب السوري يطالب بدولة اتحادية لها رئيس واحد ومجلس واحد، كما كان للحزب الوطني السوري هذا الطلب (جمهورية برلمانية واحدة) للبلدين الشقيقين، كذلك كان لحزب البعث طلب هو (رئيس جمهورية واحد له نائب ووزير خارجية واحد) ما ترتب على ذلك أن انعقد الاجتماع في مختلف الهيئات في مصر وسوريا على ذلك الانتماء بين البلدين الشقيقين على أن تؤلف منها جمهورية واحدة لها رئيس واحد وحكومة واحدة ومجلس واحد، وكانت هناك ثلاثة آراء: رأي حزب البعث إذ (قال السيد على بوظو) إن شكل الاتحاد الذي يؤمن به حزب الشعب هو قيام دولة اتحادية لها رئيس واحد ومجلس واحد، ثم إن النظام الذي يجب أن ينص عليه دستور الاتحاد هو النظام الذي يطبق الآن بنجاح في شقيقتنا الكبرى مصر وهو النظام الجمهوري الرئاسي أما الرأي الآخر وأعني به رأي الحزب الوطني، فقد قال (السيد ظافر العاسمي) إن الشكل الأكمل للاتحاد هو جمهورية برلمانية واحدة للبلدين الشقيقين بحيث يكون لهما رئيس واحد ومجلس واحد، وفيما يتعلق بالرأي الثالث وهو رأي حزب البعث القائل برئيس واحد له نائب الذي أفضى به (السيد ميشيل عفلق) للاتحاد بين مصر وسوريا في دولة واحدة متحدة لها رئيس جمهورية واحد وله نائب ويكون نظامها رئاسيا ولها مجلس اتحادي واحد وحكومة اتحادية واحدة فيها وزير خارجية واحد ووزير واحد للدفاع ووزير واحد للتخطيط القومي ووزير للعالمية الاتحادية، كانت تلك الآراء التي طلبت قيام الوحدة الاندماجية التي طلبها الشعبان السوري والمصري بإلحاح وكانت هي المهمة. وللتاريخ نقول إن الشعب العربي السوري ما قبل الناصرية ومصر عبدالناصر كان يتطلع بأشواقه الوحدوية باتجاه مصر، قدر مصر الكبير في النهوض محط أنظار الأمة العربية وما إن أتت الحقبة الناصرية للنهوض العربي بثورة 23 يوليو 1952 بقيادة الزعيم جمال عبدالناصر لتصبح ثورة للقومية العربية كلها ووحدة الأمة والتي استطاعت أن تحقق اختراقات كبيرة لذلك النطاق الشرق أوسطي، وقد أخذت مصر الثورة بقيادة عبدالناصر دورها كقاعدة ثابتة ومرتكز لحركة التحرر العربي باسم الأمة، وفي حالات عديدة نيابة عن الأمة كلها، ويكفي القول إن مصر خاضت المعارك والحروب ضد أعداء الأمة دفاعًا عن حدودها، وخاضت مصر ملحمة تأميم قناة السويس، وصد العدوان الثلاثي بريطانيا وفرنسا وإسرائيل، موصولة بملحمة القطرين (مصر وسوريا) وإسقاط حلف بغداد والأحلاف الاستعمارية ومبدأ ايزنهاور بجانب مصر فقد ساندت الثورات العربية (ثورة الجزائر وثورة العراق وثورة اليمن) وللتاريخ نذكر هنا بعض الأطراف المعادية فعلاً لوحدة مصر وسوريا (في 12 يناير 1955 إذ أعلن نوري السعيد أن العراق وتركيا سوف توقعان على عقد معاهدة دفاعية، ودعا الدول العربية إلى الانضمام إلى تلك المعاهدة، على إثر ذلك دعا عبدالناصر إلى اجتماع على مستوى القمة لملوك ورؤساء الدول العربية لبحث التحديات التي تواجه العرب والضغط على نوري السعيد لعدم توقيع تلك الاتفاقية وفي هذا الاجتماع لم يستطع عبدالناصر الخروج بموقف واحد لإدانة العمل العراقي نظرًا إلى موقف الوفد الأردني واللبناني والسوري الذي كان يرأسه رئيس الوزراء فارس الخوري الذي كان يعمل على الارتباط بالعراق في مشروع الهلال الخصيب، وفي 24 فبراير 1955 وقَّعت كل من العراق وتركيا على اتفاقية الدفاع المشترك بينهما، وأطلق عليها اسم (حلف بغداد) وقد انضمت إليه بريطانيا رسميا، في الخامس من أبريل 1955 انضمت إليه باكستان وإيران لاحقًا. في أعقاب سقوط حكومة فارس الخوري أوفد عبدالناصر صلاح سالم عضو مجلس قيادة الثورة، ووزير الإرشاد القومي في زيارة إلى كل من الأردن ولبنان وسوريا للتنسيق من أجل مواجهة الحلف (التركي العراقي) حيث وصل إلى سوريا في 26 فبراير 1955 واستقبل استقبالاً رسميا وشعبيا حماسيا، وفي ختام الزيارة صدر في 2 مارس 1955 بيان مشترك أعلن فيه اتفاق الحكومة المصرية والسورية على الأسس التالية: 1- عدم الانضمام إلى الحلف التركي العراقي أو أي أحلاف أخرى. 2- إقامة منظمة دفاع وتأسيس قيادة عسكرية مشتركة. 3- دعم التعاون الاقتصادي وتأليف مجلس اقتصادي عربي. وعلى إثر ذلك وموقف سوريا الفعال شعرت السعودية بارتياح لعودة شكري القوتلي نظرًا إلى العلاقات التي كانت تربط القوتلي وأسرته بالمملكة السعودية، والتي استمرت منذ أول انتخاب للقوتلي رئيسا لسوريا في 17 أغسطس 1943 حتى انقلاب حسني الزعيم عليه في 29 مارس 1949 فقد شهدت تلك الفترة تقاربا (مصريا وسوريا سعوديًا) أثار حفيظة الغرب. في 20 أكتوبر 1955 وقعت كل من مصر وسوريا على اتفاقية الدفاع المشترك وفي 27 أكتوبر 1955 وقعت السعودية مع مصر اتفاقية دفاع مشترك مماثلة لتلك التي وقعتها مع سوريا، وفي 28 سبتمبر 1961 كانت نهاية حزينة لتجربة الوحدة المصرية السورية، ولم يأت هذا الانفصال من فراغ بل كان بسبب القوى الإقليمية المعادية للوحدة كما أن ذلك الانفصال وقع بمباركة دولية غربية وبرضا سوفيتي، وقد استمرت تلك الوحدة (ثلاث سنوات ونصف السنة) وبحكمة الزعيم الخالد الفذ جمال عبدالناصر، لم يكن كغيره فرض الأمر الواقع على الشعب السوري إبان الأيام الأولى من الانفصال، كان له نظرة عملاقة إلى الوطن الذي يريده في حجم طموحات الشعب وأمانيه التاريخية لحاضره ومستقبله، لأن عبدالناصر هو نفسه زعيم ورجل وقائد في حجم هذا الطموح وهذه الأماني والآمال.
مشاركة :