أرسلت السلطات الألمانية قبل فترة غير طويلة تعميماً دولياً أبلغت فيه السلطات اللبنانية مذكرة توقيف أصدرتها بحق مدير الاستخبارات السورية السابق جميل حسن المتهم بارتكاب "جرائم ضد الإنسانية، من عمليات تعذيب وقتل سجناء"، إلا أن الرئيس اللبناني ميشال عون نفى علمه بالمطالبة الألمانية، قائلاً إنّ "الاجهزة الامنيّة لم تطلعني على دخول حسن الى لبنان"، مشيراً إلى أنه "في حال دخوله خلسةً بسبب صعوبة ضبط الحدود، يجب التحرّي والتدقيق كي نعرف حقيقة وجوده في لبنان من عدمها". وكان التعميم الذي يطالب بتوقيف حسن وصل لبنان بعد حصول ألمانيا على معلومات تفيد بأن مدير الاستخبارات السوري السابق يُعالج حالياً في بيروت. كذلك وصل التعميم إلى السلطات القضائية اللبنانية المعنية وفق الأصول المعتمدة بين الدول. ويقبع الطلب الألماني حالياً على طاولة المدعي العام التمييزي في لبنان القاضي سمير حمود الذي، وفق الأصول أيضاً والسلطة الإستنسابية التي يتمتع بها بموجب القانون اللبناني، لم يعمم القرار على شعبة الاتصال الدولي في المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي المعنية بتنفيذ مذكرات التوقيف الدولية، ما يعني أن جميل حسن ليس مطلوباً حالياً في لبنان ولن يتم توقيفه. يعود ذلك إلى أن الطلب الألماني اقتصر على كونه "تعميماً" ولم يرقَ إلى مستوى "النشرات الحمر" وهو المصطلح القانوني للتبليغ الرسمي أو التعميم الدولي الصادر عن الأمانة العامة للـ "إنتربول" الذي يكون ملزِماً للدولة المعنية.في المقابل، شرح مصدر قضائي لـ "إندبندنت عربية" أن المدعي العام التمييزي في لبنان يملك حق الاعتراض أو رفض طلب توقيف شخص أجنبي على أرضه مطلوب من دولة غير دولته، إذا لم تكن بين لبنان والدولة صاحبة الطلب (أي المانيا في هذه الحالة)، اتفاقية تنص على تبادل تسليم المجرمين. كما يحق للمدعي العام الاعتراض إذا لمس في طلب الملاحقة وجود خلفيات سياسية. واذا كان القاضي حمود اعتمد على غياب الاتفاقية مع المانيا فلا يمكنه أن يتحجج بوجود كيدية سياسية في الطلب الألماني، لأن جميل حسن مطلوب بتهمة ارتكاب جرائم ضد الانسانية، ويمكن ألمانيا أن تلاحقه خارج إقليمها مستندةً الى القانون الدولي. ونجد في التاريخ الحديث أمثلة على ذلك، مثل محاكمة رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق ارييل شارون في بلجيكا بتهم ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، حين تجاوزت بروكسيل حدود صلاحيتها القضائية على اقليمها لتحاكم المتهَم الذي لا ينتمي إلى اقليمها. وكذلك فعلت كل من بريطانيا واسبانيا بالنسبة إلى الدكتاتور التشيلي "بينوشي" والولايات المتحدة في ملف رئيس باناما السابق مانويل نورييغا. ولكن هل المدير السابق للاستخبارات السورية موجود حالياً في لبنان؟ وهل يخضع للعلاج وفق ما ذكرت المعلومات الألمانية؟يكشف مصدر أمني لبناني رفيع لـ "إندبندنت عربية" عن أن جميل حسن ليس موجوداً حالياً في لبنان، لكنه زار بيروت مراراً في فترات سابقة لتلقي العلاج من مرض عضال يعانيه. وكشف المصدر عن أن حسن قصد تكراراً قبل حوالي العام أحد مستشفيات بيروت (CMC) وكان يمضي فيه فترة قصيرة لا تتعدى اليومين. ولا يمكن التحقق من خضوعه للعلاج أيضاً في مستشفى الرسول الأعظم التابع لـ"حزب الله" كما ذكرت المعلومات الالمانية، لأن المستشفى، كما مناطق "الحزب"، يشكّل حصناً منيعاً حتى في وجه الأجهزة الأمنية اللبنانية الشرعية. برز اسم حسن بعد أيام على اعتقال عنصرين من الاستخبارات السورية في العاصمة الألمانية برلين حيث تكرر اسمه خلال التحقيقات المتعلقة بتنفيذ عمليات قتل وتعذيب في سوريا.أُدرج اسمه على لائحة عقوبات فرضها الاتحاد الأوروبي على كبار مسؤولي النظام السوري بتهمة التورط في قمع المعارضة السورية بخاصة في ضواحي دمشق ودرعا. وتصنّفه ألمانيا مخترع فكرة البراميل المتفجرة التي استُخدمت ضد مدنيين وراح ضحيتها مئات الأطفال في أكثر من مدينة سورية.يبدو أن زمن العقاب والمحاسبة للنظام السوري ورئيسه قد حان، والبداية التي كانت متوقعة من محكمة العدل الدولية في لاهاي قد تكون من ألمانيا
مشاركة :