عملية التطوير والتحديث في مناطق البحرين مع المحافظة على التراث والأصالة هي الصورة الماثلة اليوم في سوق المحرق القديم، فمن يتجول في ذلك السوق الأثري يرى عملية ترميم البيوت والأسواق القديمة، وعودة الصناعات اليدوية، كل ذلك لإعادة المدينة القديمة على أسسها التي تعود لأكثر من مائتي عام، وقد تم اختيار المحرق في العام الماضي 2018 م عاصمة للثقافة الاسلامية لما تملكه من مباني أثرية وأسواق تاريخية وصناعات قديمة، والأبرز هو الإنسان المحرقي المرتبط بذاكرة المكان فيرى بهويته الأصيلة، ولعل من يقف في زاوية من زوايا السوق القديم يشتم عبق الماضي وزمن الطيبين، إنه ليس بسوق واحد ولكنه مجموعة من الاسواق المتناثرة والممتدة كالشرايين التي تغذي فرجان المحرق القديمة، ومن أبرز أسواق العاصمة القديمة وأشهرها في منطقة الخليج العربي: سوق القيصرية لقد سمي بهذا الاسم نسبة إلى قيصر الروم، وهناك أسواق بنفس المسمى والشكل والتصميم والبضائع التي تباع مثل سوق القيصرية في السعودية (الاحساء) والأندلس(غرناطة، قرطبة، إشبيلية، وطليطلة) والعراق (كركوك)، وقد تم تدشين سوق القيصرية بالمحرق القديمة في العام 1810م وهو على ساحل البحر وبالقرب من جسر الشيخ حمد الذي بني فيما بعد في العام 1941م، وكان السوق مسقفا بجريد النخيل والأخشاب وبعض الأقمشة، ومحاطا بسور له خمسة أبواب كبيرة تفتح صباحا وتغلق مساء، وكان للسوق (نواطير) حراس ليلا، وتباع في السوق كل الملبوسات والحاجيات المنزلية والمواد الغذائية والطيب والبخور وأقمشة الحرير وغيرها، وكان السوق يعج بكبار التجار من أمثال جاسم وأحمد بوحمود (بيع الأقمشة النسائية)، محمد وخليل جمشير (بيع الأقمشة)، عبدالرسول بوجيري (بيع الأقمشة النسائية)، علي بوجيري، ابراهيم الشيخ، جاسم وسند أبناء سند (تهديب الغترة)، جابر الصباح، عيد وعبدالرحمن بوخماس (مواد البناء)، محمد وحسن سيادي، أحمد عبدالصمد سيادي، الشيخ حسن شويطر، أبناء الحواج، أحمد السورتي (خياط)، أبناء الضو، صالح تلفت (بيع الأواني)، جمعة الدوي (بيع مستلزمات الرياضة)، فرج المناعي (بيع أقمشة)، احمد العامر (بيع العطور)، سالم السعد (بيع دراجات الأطفال والخرز والفولك)، علي جعفر (بيع الطرابيل) وغيرهم، وكانت سوق القيصرية تحتوي على 300 دكان كما جاء ذلك في كتاب دليل الخليج للرحالة لوريمر، وعلى جوانبه محلات بيع أدوات السفن والصيد والحلاقين والجزارين والخبازين وصناع الأحذية والجلود وبيع التمر والدبس والحلوى. سوق خارو: وهذا السوق يقع مقابل جامع الشيخ عيسى بن علي في فريج الشيوخ وبالقرب من فريج بن شدة والمحميد وستيشن القديم، وهو من الأسواق القديمة بالمحرق التي اندثرت معالمه، وكان الباعة المتجولون يأتونه من مناطق بعيدة مثل الحد وعراد والدير وسماهيج والبسيتين، وكانت وسيلتهم لحمل بضائعهم من الاسماك والدواجن والخضروات والفواكه والحبوب والطيور وغيرها على ظهور الجمال والخيول والحمير. سوق الطيارة: يقع هذا السوق على امتداد شارع الشيخ حمد، من بداية سوق القيصرية في اتجاه جامع الشيخ حمد، وسمي بهذا الاسم لانه سوق مسقف بالأخشاب ليوفر الظل للمحلات والمارة، والطيارة لدى أبناء البحرين هي المظلة، وكل الأماكن المسقوفة يطلق عليها (الطيارة)، ويتم فيه بيع مختلف البضائع. سوق كشيش وسكة محيش: يذكر محمد المحميد (أحد سكان المنطقة) بأن التسمية تعود الى عائلة تحمل نفس الاسم كانت تقطن بالمنطقة، وهناك (حلة محيش) بمنطقة القطيف بالسعودية، ولا أعلم هل هناك ارتباط بين الاسمين، ويذكر المحميد بأن موقع السوق من بداية الإشارة الضوئية مقابل جامع الشيخ عيسى بن علي مرورا بمسجد الصاغة الى بيت أبناء محبوب، ويذكر أنه تباع بالسوق الحاجيات واللوازم المنزلية. سوق النجادة: وهو المكان الذي يتجمع فيه الباعة القادمون من نجد، وقد اشتهروا ببيع الدلال العربية لشرب القهوة، ويأتون بالألبان المجففة والجلود وسمن الأغنام، ويتم في بعض المحلات بيع الاغنام، ويذكر بأن هناك دكان لصاحبه ناصر النجدي (القصيمي) لبيع الدلال والزل الفارسي، والمحل بالقرب من مسجد ابراهيم بن يوسف، ويذكر أن العوائل النجدية تعمل في ذبح وبيع الأبقار والأغنام، ولا تزال مهنة الذبح مستمرة في العائلات النجدية المحرقية. سوق التمر: من اسم السوق يتضح أنه لبيع التمور ومشتقاتها، وهذه التمور في الغالب تأتي من داخل البحرين التي اشتهرت بزراعة النخيل والأحساء، فيتم بيع الرطب في مواسم الصيف والتمور والدبس وهي عصارة التمر، وقد قامت وزارة الثقافة بترميم محليين لصناعة الدبس وهما في أطراف سوق القيصرية من جهة الشرق، ويتم كذلك بالسوق بيع السلال والحصير المصنوعة من سعف النخيل، ومن الكاكين التي كانت تبيع الدبس دكان خليفة رشدان. سوق التجار: يكثر في هذا السوق العمارات الكبيرة التي تؤكد على قوة أصحابها المالية ومكانتهم التجارية، حيث يجلس صاحب العمارة في صدر العمارة من الداخل وأمامه طاولة لإدارة نشاطه التجاري ويجلس حوله -في الغالب- أصدقاؤه ومعارفه لشرب الشاي والقهوة وأكل التمر، ومفرد العمارات هي العمارة التي تعتبر مجمعا كبيرا لبيع مستلزمات الصيد والسفن، مثل الأخشاب والحبال والمسامير و(الفتيل) القطن ودهن السفن وغيرها. وكانت العمارات على طول الشارع الى ساباط علي بن موسى، عمارة فخرو عمارة الدوي، عمارة إبراهيم بوكمال، عمارة المحمية، عمارة الزياني، عمارة الفايز، عبدالله بن خليل الحسن، وعمارة أحمد بن جاسم سيادي. محلات القراشية: وهي محلات تجارية لمواطنين من أصول فارسية، وتبيع تلك المحلات الأرز والسكر والحبوب والبهارات والمكسرات وغيرها التي تأتي من بلاد فارس والهند والعراق، وقد انتهج اصحاب تلك المحلات اسلوب البيع السهل، وفي أحيان كثيرة يكون على الحساب من خلال دفاتر حسابية لدى أصحابها ولدى اصحاب المحلات. سوق الذهب تم إنشاء سوق الذهب على املاك بيت المحميد، ومن أشهر صناع الذهب راتيلال وهو من الهندوس (بونيان)، وحسب التقديرات فإن عمر السوق تقريبا 90 سنة، وقد كثرت محلات الذهب بالسوق حتى أصبحت مقصدا للكثير من الناس، خاصة في الأعياد والمناسبات وفترات انخفاض أسعار الذهب. قد تكون بعض الاسواق قد اندثرت وضاعت معالمها ولكن يبقى في الذاكرة الشيء الكثير، لذا يتم تدوينها للحفاظ على هوية هذا الوطن، ومن أبرز معالمها أسواق المحرق بذكرياتها الجميلة، ولا زال البحث مستمرا عن سوق الجص الذي ستدون معلوماته في مقال آخر.
مشاركة :