إيران ونهاية مشروع الثورة

  • 2/25/2019
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

حسام ميرو استدعت الذكرى الأربعون للثورة الإسلامية في إيران، سجالاً مهمّاً حول هذه التجربة، في نشأتها وصيرورتها ومآلاتها، وفي خضمّ هذا السجال، قال أبو الحسن بني صدر، أول رئيس لإيران بعد الثورة، في حوار أجري معه مؤخراً، إن «الثورة الإيرانية كانت ثورة شعبية شارك فيها الجميع، لكن الفريق الذي وصل إلى الحكم، أعاد إنتاج نظام الاستبداد السابق». وككل تجربة ثوريّة، ترفع إلى سدّة الحكم قوى غير ديمقراطية، فإنه من الطبيعي أن يعاد إنتاج منظومة الاستبداد، لكن بثوب إيديولوجي آخر، وأسوأ ما في الأمر أن يكون الثوب الجديد هو ثوب عقائدي - ديني، وهو ما ابتليت به إيران، والشعب الإيراني.ومنذ وصول الإسلاميين إلى الحكم في إيران، حدثت تحولات كبيرة ومدمّرة في بنية المجتمع الإيراني، فقد رافق التحوّل السياسي، عملية إعادة ضبط للمجتمع من منظور ديني، ووضع السلطة الدينية فوق جميع السلطات، والتي أصبحت مركّزة بشكل شبه كلي في يد المرشد الأعلى، وهو ما نصّت عليه المادة الخامسة من الدستور الإيراني، والتي وضعت في يده أهم الصلاحيات، التي تحدد وتضبط سياسات الدولة، من دون أن يكون هناك مدة محددة لنهاية ولايته، طالما أنه على قيد الحياة. وخلال العقود الأربعة السابقة، تمّ احتكار السلطة، وإلغاء المنافسة عليها، خصوصاً أن الأحزاب السياسية في إيران، مضطرة أن تعمل ضمن المرجعية الإسلامية للدولة، إذ تغيب أي إمكانية حقيقية لنشوء أحزاب سياسية ليبرالية أو علمانية، أو مناقضة للنظام السياسي الذي أقرّته الثورة، وبالتالي فإن هدف المنافسة السياسية في إيران، لا يغدو كونه منافسة للوصول إلى تمثيل في الحكومة، أو إلى رئاسة الجمهورية، وهما مؤسستان لا تستطيعان الخروج عن سياسات المرشد الأعلى، وهو ما يفسر ظاهرة بزوغ الأحزاب ثم تلاشيها بشكل سريع، إذ إن بعضها يقوم لغايات انتخابية محددة. في الجانب الاقتصادي، فإن الوعود التي قدمتها الثورة في بدايتها للشعب كانت كبيرة، لكن كل تلك الوعود لم تتحقق، بل على العكس من ذلك، فإن مستويات المعيشة في إيران في حالة تدهور مستمر، على الرغم من امتلاك إيران لحوالي 10% من احتياطات النفط العالمية، وتأتي في المرتبة الرابعة عالمياً من حيث احتياطات النفط، والمقدّرة بحوالي 150 بليون برميل، إذ إنه، وبحسب إحصائيات إيرانية، فإن كل عائلة إيرانية تضم ثلاثة أفراد بلا وظائف، وهو ما أكده نائب الرئيس الإيراني، إسحاق جهانجيري، كما أن نسبة الخريجين الجامعيين من العاطلين عن العمل، وصلت إلى حوالي 41%، من ضمنهم حملة شهادات ماجستير ودكتوراه، بالإضافة إلى ظاهرة هجرة العقول نحو الخارج، حيث وصلت في السنوات الأخيرة إلى حد خطير، إذ يقدّر عدد المهاجرين، من أصحاب الشهادات العليا، بحوالي 150 ألف شخص سنوياً. لقد تحوّل الاقتصاد الإيراني، بعد الثورة، إلى اقتصاد موجّه، ويسيطر «الحرس الثوري» على جزء كبير من هذا الاقتصاد، فهو بالإضافة إلى سيطرة شركاته على الكثير من المشاريع الكبرى، فإنه يدير ما يعرف ب«اقتصاد الظل»، وهو اقتصاد يتم خارج إطار القوانين الحكومية، ولا تستفيد خزينة الدولة الإيرانية من أرباحه، كما أنه خارج أي عملية مراقبة، وهو ما يستنزف فعلياً بنية الاقتصاد، خصوصاً أنه يستفيد من العقوبات المفروضة على الحكومة، بحيث يقوم بتأمين الكثير من متطلبات الاقتصاد الإيراني، عبر امتلاكه، وسيطرته، على بعض المطارات والموانئ. وفي العلاقة مع الجوار الإقليمي، فإن السياسة الإيرانية أولت اهتماماً خاصّاً بتطوير القدرات العسكرية، وتوسيع رقعة النفوذ، وهو ما يتناقض فعلياً مع ضرورة إرساء منظومة أمن واستقرار في الشرق الأوسط، تعتمد على العلاقات التكاملية في السياسة والاقتصاد، من أجل تطوير منظومة إقليمية مزدهرة، بل إن إيران، وخلال سياساتها، منذ أكثر من 15 عاماً تسعى إلى التكيّف مع الفوضى، وهو ما يبرزه المثال العراقي، حيث دعمت نشوء تشكيلات غير دولية، موالية لها، على حساب قوّة الدولة العراقية نفسها. بعد أربعة عقود من قيام الثورة الإسلامية في إيران، فإن الأهداف الاقتصادية لم تتحقق، بل زادت الأعباء على فئات اجتماعية كثيرة، ووضعت السياسة الإيرانية نفسها، كما وضعت شعبها، في مواجهات مع القوى الدولية، وهو ما عرّضها ولا يزال للعقوبات، والتي يدفع الإيرانيون ثمنها من معيشتهم وعملتهم ومستقبلهم، كما وضعت نفسها في حالة تناقض وصراع مع دول الجوار الإقليمي، بدلاً من السعي إلى بناء منظومة أمن واستقرار، تستفيد منها دول المنطقة وشعوبها، كما كرّست حالة الاستبداد، التي يفترض أنها أتت من أجل إنهائها، وهو ما يجعل السؤال حول نهاية مشروع الثورة مشروعاً. husammiro@gmail.com

مشاركة :