أحدهم وفي كل نقاش سياسي يعود بالجميع إلى أن من يقف وراء حالة التخلف العربي وفشله باللحاق بالحداثة بمعناها الإنتاجي المؤسّس على فلسفة فكرية معاصرة وبعيداً عن النظريات الغبية هم الماسونية والامبريالية، هذا الصديق وغيره كثير في مجتمعنا، خاصة النخب الفكرية، للأسف نجد أن هذا الداء منتشر بينهم. مثل هذا التفكير في معالجة مشاكلنا يزيد من المعتقدين في هذا التفسير السهل لرمي كل إشكالاتنا على الغير، والغريب أننا نعيش على منتجات هذه القوى الخفية المزعومة. لست من محبي جلد الذات، ولكننا للأسف نعيش في المربع ذاته وحالة التخلف نفسها منذ سنيين طويلة، وقليلة هي المحاولات التي مررنا بها لخلق حالة من التنوير والحداثة. في الوضع السياسي العربي تعتبر القضية الفلسطينية هي قضية العرب الأولى، وكم ضحت الشعوب العربية في سبيلها، ولكن على أرض الواقع نجد أننا نخسر كل يوم، والبعض يردد أن السبب في عدم حلها هي مؤامرة كونية ضدنا، فيما ترى بعض القيادات السياسية والنخب أنه من حقها أن تطرق وتنادي بحلول تحفظ الموجود، لقد خسرنا الحروب في سبيلها ولم نقر بالهزيمة وأسميناها «نكسة»، واجتاح بعد هذه الهزيمة المدوية المنطقة تيارات إسلاموية وبعضها تكفيرية وإرهابية، وما زال الملايين منا يؤمنون بأن تلك الجماعات هي من سيحرر فلسطين، وألبسوا قياداتها قدسية دينية، والنتيجة كما هي؛ ضاعت أغلب أراضي فلسطين، والتي كانت في الماضي «خطاً أحمر»، وأقيمت عليها مستوطنات. وبعد أن كانت القضية الفلسطينية وحالتنا العربية وشعوبها كرة تتقاذفها الجماعات، أصبحت الآن تراهن على التيارات الإسلاموية. التبرير الجاهز لحالة التخلف والتردي والعجز العربي بأنها الماسونية والصهيونية والامبريالية هي من يقف في وجه تقدمنا، والحل يكمن في مفهوم دولة «قطرية» معاصرة تؤسس لتنمية حقيقة أساسها المواطن وتبتعد عن الشعارات القومية، وقد تكون تجربة دول الخليج العربي من ناحية التحديث خير مثال على ذلك، وأتذكر لقطات لاجتياح القوات الأميركية للعراق في ٢٠٠٣ وصور البؤس للمدن والقرى في جنوب العراق، ذلك البلد الغني بموارده الطبيعية والبشرية الغنية والحال يتشابه مع بعض دول الربيع العربي، فلا تنمية ولا تطور على أرض الواقع، للأسف ثروات تلك الدول صرفت على جيوش جرارة وأسلحة من كل بقاع الأرض، ولكنها لم تفد تلك الأنظمة وقت الحاجة، الشعوب في العالم كله تدافع عما تقدمه له قياداتها من منظومة خدمات لا شعارات سياسية براقة كتدمير ومسح العدو من الأرض، والنتيجة أن تلك الأنظمة هزمت من شعوبها وليس من القوى الخفية التي يدّعي المؤمنون بنظرية المؤامرة أنها تقف خلفها. أتابع ما يتردد حول ما يعرف بـ «صفقة القرن» والتي تبنتها أنظمة معروفة للجميع في الخفاء وترمي بذلك على المملكة وأنها الداعم للصفقة.. لهم أقول: المملكة في قمة بيروت عام 2002 قدمت مبادرة سلام لإنهاء الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، والتي تهدف لإنشاء دولة فلسطينية على حدود عام 67 وعاصمتها القدس الشرقية، وانسحاب إسرائيل من هضبة الجولان السورية المحتلة وحل عادل لقضية اللاجئين الفلسطينيين، وأرى أننا فوتنا الفرصة في التفاعل والتأثير على مثل هذا الحل لهذه القضية التاريخية المصيرية. لا يمكن أن نكتفي ونردد ونقاطع المؤتمرات الدولية التي تناقش هذه القضية ونفوت الفرص في حقوقنا بسبب شعارات عفي عليها الزمن، والتاريخ يقول أن العرب ومنذ بداية احتلال فلسطين وإعلان دولة إسرائيل في 1948 ونحن نفرط في الحقوق العربية، وأتذكر أن التيارات الشيوعية الفلسطينية في تلك المرحلة والتي كانت منضوية تحت الراكاح الإسرائيلي وافقت على حل الدولتين، وهذا مثال صارخ على عدم واقعية البعض منا للأسف
مشاركة :