أعرف أشخاصًا يأخذون أي معلومة وأي خبر بالشّك، إلى أن يثبت لهم العكس. ولا بد أن القارئ الكريم يعرف واحدًا أو عددًا من هؤلاء. فمع العدد الكبير من المعلومات والوسائط ومصادر المعلومات، أصبح من الصعوبة بمكان للمتلقي معرفة الخبر الصحيح من الخبر المُلفَّق أو المكذوب. لذا لا ألوم الشّاكِّين في الأخبار أو الممحصين لها المدققين إلى أن يعلموها علم اليقين! المشكلة هي أن هذا العلم اليقيني في أعمال البشر، قد يأخذ مناحي عديدة ويستهلك وقتًا طويلًا، إذا أمكن في النهاية الوصول إلى نتيجة أو معلومة صحيحة. وهذا غير مضمون. لذا فقد اخترع العرب، في السياسة، ما يُعرف بـ"نظرية المؤامرة". فانتشر هذا الاقتناع بالنظرية، انتشار النار في الهشيم، كما قالت العرب؛ حتى أصبح حالة مَرَضية متفشية وشديدة الخطورة. ومع أن أحدًا من العقلاء لا يشك في وجود "المؤامرة" على البلدان العربية والإسلامية من أعدائها وعملائهم، إلا أنها لا يمكن أن تكون في كل شيء، أو تكون بنسبة مئة في المئة. فنسبتها قد تصل إلى عَشْرٍ في المئة في الحالات العادية، ولن تتجاوز في أي حال من الأحوال نسبة خمسٍ وعشرين في المئة في المكيدات الكبيرة. وهذا كله افتراض. ورغم صغر هذه النسبة في الأذهان إلا أنها نسب كبيرة جدًا لو تمّت أحداثها على أرض الواقع. فمن الصعب الاقتناع في حالة النسبة الأخيرة مثلًا؛ بأن مؤامرة أو مكيدة واحدة تحدث للإنسان أو الدولة أو الأمة من بين كل أربعة أحداث يواجهها. الاستسلام لـ"نظرية المؤامرة"، يمكن اعتباره حالة مرضية محطمة، كما ذكرنا، ولكن الأخطر هو تبعاتها التي أهمها الاستسلام للوهم، والبحث والتفكير الدائري الذي لا يقود إلى عمل مجدٍ وبناء. كما أن أهم نتائجها الهدامة، هو أنها تعوق الناس -سواء أكانوا مسؤولين أم غيرهم- من البحث عن الحلول للمشكلات التي يواجهونها. m.mashat@gmail.com
مشاركة :