قبل حلول شهر رمضان المبارك من العام الماضي بأيام وعلى غير موعد، زرت الدكتور حامد بن مالح الشمري في مكتبه بإمارة منطقة الباحة بالمملكة العربية السعودية. لأول مرة تقابلنا. أحسست أني أعرفه من زمان طويل. ابتسامة صادقة وإصغاء واع، وتعقيبات لماحة. ذكرت له اسمي فأكمل بعبارات من عنده تدل على معرفته بي عن بُعد. تحدثنا عن منطقة الباحة وآمال أهاليها في تطويرها وزيادة شواهد النهضة فيها. قلت له: إن أهالي هذه المنطقة- وأنا واحد منهم- تحدوهم الرغبة في التطوير... وهم وإن رضوا بما تحقق، إلا أنهم يطمحون إلى الأكثر والأبعد.. وقلت: قد تجد المطالبات في أحاديثنا والبعد من كثيرين منا عن ذكر ما أُنجز.. ولكن تقديرنا للعاملين مثلك مغروس في ذاكرتنا وتنطق به عقولنا قبل ألسنتنا. فتحمَّل منا وتحمَّل معنا آمالنا وتطلعاتنا. وذكر أن العمل يدور للسير بالمنطقة نحو الرقي أسوة ببقية مناطق المملكة.. وأشار إلى خطط التنمية الوطنية للبلاد عموماً وما ينال منطقة الباحة منها. وأضاف أن الجهود تتجه نحو توسيع برامج التعليم العالي بجامعة الباحة، وفي كلية الباحة الأهلية، وترسيخ مسيرة التعليم العام؛ والنهوض بالسياحة وتحويل المنطقة إلى مشهد سياحي في الشتاء والصيف. والعين مركّزة على تكميل وتحديث الخدمات العامة حتى تشمل كل مواطن ومقيم حسب توجيهات القيادة الرشيدة وسياستها التنموية الشاملة. لقد أكرمني الدكتور حامد بكتابه بعنوان (إدارة التنمية)، وهو كتاب مطبوع حديثاً في عام 1435هـ ومكان الطبع مجهول، رغم أهمية هذه المعلومة للباحثين. الكتاب يقع في 231 صفحة، ويشتمل على أربعة فصول، واعتمد فيه المؤلف على تجربته العملية في مجلس الشورى بالمملكة، وعلى عمله في إمارة منطقة جازان وإمارة منطقة الباحة. إلى جانب ذلك، استذكر المؤلف ما حصله (من التحصيل) في دورة تدريبية في ماليزيا عن (التنمية والإدارة)، ومحاضرة له شخصياً عن (أثر الأمن على التنمية) ألقاها في نادي جازان الأدبي عام 1428هـ. واعتمد كذلك، على خطة التنمية التاسعة، والإستراتيجية الوطنية لحماية النزاهة ومكافحة الفساد، ونظام المناطق. ومصادر المؤلف في إخراج هذا الكتاب القيِّم، تشي بواقعيته في (الإدارة والكتابة). كما أن التنمية في مفهومها الشامل لدى المؤلف، هي حق للمواطن والمقيم على حد سواء. إنها للإنسان الذي يعيش على تراب الوطن. وهدف التنمية هو تحقيق الرفاهية والأمن.. من خلال جهود متواصلة لا تعرف التوقف، أو الاكتفاء بتحقيق إنجاز، مما «يتطلب إعادة هيكلة الإجراءات، واللوائح، والسياسات، وضبط قياس مستوى الخدمات وتطويرها». التنمية لدى الدكتور الشمري، عملية متعددة الأبعاد والمحاور، فإذا كان لابد أن «يستفيد من خيرها» كل مواطن، فإنها أيضاً يجب أن «تنعكس إيجاباً على ثقافته، وعطائه، وانتمائه لوطنه وعمله» (ص17). ولعلِّي أتوقف مع القارئ الكريم، عند الجملة الأخيرة للمؤلف- وهو إداري محنَّك مسؤوليته تتركز حول تحقيق الرفاهية والأمن لكل مواطن ومقيم-، إنه يرى في التنمية وسيلة للتغيير الاجتماعي الهادف. يرى فيها صقلا للثقافة العامة لكل مستفيد من نتائج هذه التنمية.. بل إنه يرى فيها دافعية للمواطن إلى حب الوطن وحب عمله. إني أرى الدكتور الشمري في هذا الإطار يتمثل التوجيه النبوي الكريم للأمة: «ما منكم من أحد إلا وهو على ثغر من ثغور الإسلام، فالله الله أن يُؤتى الإسلام من قبله». والتنمية لا تتحقق إلا من خلال القدرة على تحويل المعوقات والتحديات وضعف خدمات البنية التحتية «إلى إمكانات ونجاحات حقيقية»، ويرى المؤلف أنه لابد من مراعاة العوامل التالية: علوّ سقف مطالب وتوقعات المواطنين. تزايد عدد السكان. إعادة النظر في أسلوب إدارة العمل التنموي. تطوير الإدارة المحلية للمنافسة على التميز والجودة والمرونة في الأداء. وإدارة التنمية الشاملة، تتطلب قيادة إدارية ذكية تعمل بروح الفريق بأساليب جديدة «لشحذ الهمم، وتفجير الطاقات البشرية، والتشجيع على طرح الأفكار الإبداعية». (ص73) إن الكتاب مشحون بالأساليب الإدارية الفاعلة والطرق الصحيحة لإدارة عجلة التنمية والاستفادة منها. والمؤلف يرى أن (الإنسان)- الذي من أجله تقوم خطط التنمية وإليه يرجع مردودها- هو المسؤول الأول عن تفعيل برامج التنمية في جميع المدن والقرى والأرياف. إن التنمية، عمل إنساني متجدد يحول البادية إلى مصدر غذائي متطور، ويعتمد الزراعة مصدراً للأمن الغذائي، والتعليم طريقاً للتقدم في جميع مجالات الحياة. إنها عمل مشترك بين القيادة والشعب، وبين العلم والخبرة، وهي دافع إلى تهيئة الوطن والمواطن للمنافسة العالمية الشريفة في ميادين الابتكارات العلمية والتقنية والإدارية. إن التنمية في النهاية، ما هي إلا منافسة لإنعاش الاقتصاد الوطني وتوسيع مجالاته. إنها عملية عشق من المواطن للوطن، وحافز على التراحم بين أفراد المجتمع، بل إن التنمية في أسمى مراتبها، هي عملية ثقة متبادلة بين المواطنين والقيادة. إنها عملية إنسانية نبيلة يعززها ويرسخ مبادئها، ما وصلت إليه بلادنا من مستوى العيش الكريم، وما نطمح إليه هو بناء وطن يعيش التنافسية ويجني ثمارها. إن قراءة كتاب (إدارة التنمية) لمؤلفه الدكتور حامد بن صالح الشمري ماتعة وحافزة لخدمة الوطن.
مشاركة :