وقفة مع كتاب خليفة بن أحمد الظهراني: صفحات مضيئة في تاريخ البحرين (2-2)

  • 2/28/2019
  • 00:00
  • 9
  • 0
  • 0
news-picture

من فضل الله على مملكة البحرين أن حباها عبر التاريخ بعشرات إن لم يكن بمئات أو أكثر من الرجال الأفذاذ الذين يتركون بصمات واضحة في مسيرتهم الحياتية التي يندمج فيها الخاص بالعام، والذاتي بالموضوعي، ذلك لانهم كما وصفهم العزيز الحكيم في سورة الاحزاب آية 23 «رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ»، واحد منهم، معالي الأخ القدير الشيخ الجليل خليفة بن أحمد الظهراني رئيس مجلس النواب الأسبق، بما يتميز به من صفات وخصال كانت نتاج نشأته الدينية القويمة وأصالته وعروبته الحقة وانتمائه القبلي لقبيلة عربية ضاربة جذورها في التاريخ العربي والإسلامي، هي قبيلة بني خالد المخزومية القرشية، التي تلتقي في النسب مع الرسول محمد صلى الله عليه وسلم في جده السادس مرة بن كعب، ونشأته الدينية في كنف والده الشيخ أحمد الظهراني إمام مسجد الجسرة، الذي أقامه صاحب العظمة الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة حاكم البحرين الأسبق، فكان لهذه المؤثرات الاجتماعية دورها في تبلور وعيه الاجتماعي والسياسي، وإخلاصه الوطني المتميز لبلاده وولائه المطلق لقيادة البحرين الخليفية العربية الحكيمة. وقد سطر الإعلامي الأستاذ جمال جاسم زويد، وهو الذي رافق الظهراني في رحلته البرلمانية الطويلة ملامح مهمة من ذلك الوعي والتميز في كتابه الموسوم خليفة بن أحمد الظهراني.. صفحات مضيئة في تاريخ الوطن، الصادر أواخر عام 2018م، وقد عرضنا في المقال السابق المنشور يوم الخميس من الأسبوع الماضي بعضا من تلك الملامح. وفي مقالنا اليوم نستعرض بعضا من المواقف الخالدة لمعالي الشيخ خليفة الظهراني في مسيرته عضوا في المجلس الوطني عام 1973م، مرورا بعضوية مجلس الشورى عام 1992م وأخيرا رئيسا لمجلس النواب لثلاثة فصول (2002- 2014م). ففي صبيحة يوم الجمعة السابع من ديسمبر 1973م فاز الشيخ خليفة الظهراني كعضو منتخب في أول مجلس نيابي شهدته مملكة البحرين سمي بالمجلس الوطني، وقد تميزت نقاشات وطروحات الظهراني في المجلس بالحكمة والحنكة والجدية وبعد النظر، فعلى سبيل المثال قدم مقترحا لا يزال إلى يومنا هذا يتمتع بالأهمية والضرورة، والمتمثل في المطالبة بتغيير مسار أنابيب النفط القادمة من المملكة العربية السعودية عبر منطقة الرفاع وصولا إلى مصفاة البحرين، تجنبا لأي أخطار أو كوارث بيئية قد تلحق بالمواطنين في منطقة الرفاع. كما أنه قدم عددا من الاقتراحات والمرئيات والأسئلة بخصوص الثروة المائية وأخطار نضوبها وتلوثها وأهمية المحافظة عليها، فضلا عن تحسبه المسبق لأخطار البطالة وضرورة التصدي لها في مهدها، وأقتطع هنا جزءا من مداخلة للشيخ الظهراني في الجلسة الحادية عشرة للمجلس الوطني المنعقدة بتاريخ 27/يناير/ 1974م أثناء مناقشة تعديل قانون العمل آنذاك، تستحق بجدارة أن تخط بأحرف من نور وتعلق في بوابات وزارة العمل واتحادي العمال في البحرين «أن تكون بطالة في هذا البلد بلا وجود الأجنبي فهذا محل نظر، أما الذي لا يمكن السكوت عليه أن نجد المواطن عاطلا والأجنبي متربعا على العمل». في العشرين من شهر ديسمبر 1992م أصدر المغفور له بإذن الله صاحب السمو الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة رحمه الله مرسوما أميريا بإنشاء مجلس الشورى يتألف من ثلاثين عضوا من أصحاب الرأي والمشورة، استمر مدة (1992-2002)م وعلى ثلاث دورات متتالية، كان خليفة الظهراني أهلا للثقة العزيزة لقيادة البلاد عضوا في جميع دوراتها. وكان الظهراني في مجلس الشورى، كما عهدناه في المجلس الوطني صوتا وطنيا وعربيا وإسلاميا مميزا في إخلاصه لشعبه ووطنه ووفائه لقيادته الخليفية الكريمة، ويتضح ذلك من عمق وأصالة المرئيات والرغبات والموضوعات والأسئلة التي يتقدم بها فمنها ما يتعلق بموضوع الطاقة في البلاد، وموضوع استراتيجية الأمن المائي، والمشكلات التي تواجه الشركات الصناعية، والعمالة الأجنبية الهاربة من كفلائهم، وقضايا قروض الإسكان، والتحديات التي تواجه الشباب، والمساعدات الاجتماعية للأسر الفقيرة، وموضوع القروض الشخصية وآثارها، ومشكلات مجاري المياه، وظاهرة التعاطي والاتجار بالمخدرات، وقضايا البيئة وحمايتها من التلوث، وظاهرة تأجير السجلات التجارية، وغيرها من الموضوعات التي تصلح عناوين لبحوث الدراسات العليا في الإدارة والاقتصاد. والتي لا تزال إلى اليوم انشغالات وطنية ينبغي إيجاد حلول جذرية لها. وبعد عودة الحياة البرلمانية لمملكة البحرين عام 2002م، كجزء من المشروع الإصلاحي لجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى، كان الشيخ خليفة الظهراني في مقدمة الذين قرروا خوض الانتخابات البرلمانية، فتمكن من الفوز بكل جدارة عن الدائرة التاسعة بالمحافظة الوسطى آنذاك ثلاث دورات متتالية (2002- 2014م). ولمكانته الوطنية الكبيرة، وكوارزميته المعهودة، ولما يحظى به من ثقة واحترام لدى مختلف أطياف الشعب البحريني الأصيل، فاز الظهراني برئاسة مجلس النواب ثلاث دورات متتالية، وقد انعكست شخصيته الفذة ووقاره المهيب على انضباط المجلس وحسن إدارته، ولطف مناقشاته وجديتها. ومن المواقف التاريخية المشهودة لمعالي الشيخ خليفة الظهراني في هذه المرحلة أنه ألغى الجلسة الأولى (الإجرائية) للفصل التشريعي الثاني التي كان مقررا عقدها بتاريخ 15/ديسمبر/ 2006م مباشرة بعد افتتاح جلالة الملك المفدى دور الانعقاد الأول للمجلس الوطني وفقا للائحة الداخلية لمجلس النواب، حيث احتجت كتلة الوفاق على التفاهمات التي وصلت اليها عن انتخابه رئيسا لمجلس النواب، إذ كانت ترى أن رئاسة المجلس من نصيبها باعتبارها الكتلة الأكبر في المجلس. وقد كان بإمكان الظهراني عقد الجلسة التي كان نصابها متحققا من دون كتلة الوفاق والفوز مجددا برئاسة المجلس، ولكنه آثر لم الشمل، حريصا على وحدة المجلس حتى إن خالف القوانين والأعراف البرلمانية متحملا بكل شجاعة مسؤولية ذلك، وهو حينئذ رئيسا للسن لا غير. وبعد مؤامرة 14 فبراير 2011م واستقالة نواب كتلة الوفاق، حاول الظهراني مرات عديدة ثنيهم عن ذلك رغم إدراكه لنيات الوفاق الهادفة إلى تعطيل دور المجلس. ثم بعدها حاول تأجيل النظر في قبول استقالتهم، لكن أمام إصرارهم على الاستقالة ومغادرة الخيار الديمقراطي، جرى عرض استقالاتهم وقبولها في مطلع شهر مايو 2011م. ونظرًا إلى ما يتمتع به الظهراني من حكمة وخبرة ودراية بمختلف قضايا الوطن، وثقة أطياف الشعب والحكومة، كلفه جلالة الملك المفدى برئاسة وإدارة حوار التوافق الوطني في الفترة 2-25/ يوليو/2011 م. وقد حقق نجاحا كبيرا انعكس بالإيجاب في تعزيز مسيرة المشروع الإصلاحي لجلالة الملك المفدى. وما يسجل بالعرفان لمعالي الشيخ الظهراني أن رئاسته لمجلس النواب ومتطلباتها القانونية والإدارية لم تثنه عن دوره كنائب ممثل للشعب، فكانت مقترحاته وطروحاته تعبر أصدق تعبير عن ذلك التمثيل، وهي كثيرة يمكن الإشارة إلى قسم منها؛ تقديم مقترح بتخصيص 10% من مساحة الأراضي المملوكة للدولة عند تخطيطها للأوقاف السنية والشيعية بالتساوي، بشأن تفعيل القرارات الخليجية حول تسهيل انتقال العمالة الوطنية وزيادة فرص التوظيف في دول مجلس التعاون الخليجي، واقتراح بشأن تطبيق إجراءات البصمة الإلكترونية على الوافدين الأجانب، واقتراح بشأن التشجيع على حفظ القرآن الكريم، واقتراح بشأن زيادة الاحتياطي المائي للطوارئ، واقتراح بشأن إنشاء احتياطي نقدي للأجيال القادمة، واقتراح بشأن شكاوى المستثمرين، واقتراح بشأن إجراء الغسل الكلوي للمرضى في المنازل، ومئات من المقترحات الأخرى خلال سنوات رئاسته لمجلس النواب. وختاما نقول إن بصمات الشيخ خليفة الظهراني كانت وستبقى خالدة في المسيرة الديمقراطية لمملكة البحرين باعتباره واحدا من روادها النبلاء الذين حرصوا على توازن العلاقة بين مصلحة المواطن وقوة الدولة واستقرارها وتواصل مسيرتها التنموية المستدامة تحت مختلف الظروف والمتغيرات، مثلما حرص أن يكون مجلسه العامر ملتقى أطياف الشعب ومحط لقائه، فتحية من الأعماق لمعالي الأخ العزيز الشيخ خليفة الظهراني، سائلا الله العلي القدير أن يمنحه موفور الصحة وتمام العافية ليواصل مسيرة المحبة والبناء من مختلف المواقع التي يختارها خدمة للشعب ووفاء لقيادة البلاد الحكيمة. وتحية لمؤلف الكتاب الأخ العزيز جمال جاسم زويد الذي أتاح لنا هذه الفرصة المباركة لنشاركه الرأي في استعراض جزء يسير من المسيرة المباركة للأخ الظهراني، واستميحه عذرا أنني استعرت كلماته واقتطفت فقرات من كتابه الثري، وعذري في ذلك أني أستعرض كتابه، وأشاركه المحبة في الله لصاحب الكتاب، وكنت شاهدا مراقبا لخمسة عشر عاما على مسيرته. حفظ الله الجميع بحفظه، وأدام البحرين خليفية عربية مسلمة وأعز قيادتها وأعانهم على الخير دائما إنه نعم المعين.

مشاركة :