بدأت المعركة إذاً كما ذكرنا في الصحافة العراقية، بمناسبة الزيارة الأولى للأمير غازي لبغداد، ومشاركة بعض الطالبات في الترحيب به، ونزل إلى ميدانها الكتّاب بأقلامهم والخطباء على منابرهم والشعراء بشعرهم. وكان أنصار السفور في هذه المعركة، كما يصفهم الباحث العمري، «قلة لا يتجاوز عددهم أصابع اليد بينهم الأديب الهاوي والشاب المتعلم تعليماً عصرياً، والدارس في أوروبا، وكلهم في سن الشباب يرتدي الزي الإفرنجي ويضع الطربوش على رأسه». وأما أنصار الحجاب، يقول العمري، «فكانوا كثيرين يصعب حصرهم ويعسر تعدادهم»، من بينهم الأساتذة محمد بهجة الأثري، وسلمان الشواف، وتوفيق الفكيكي، والملا عبود الكرخي. انتصرت جريدة «العراق» لدعاة السفور، وأفسحت صفحاتها الأولى لأقلامهم، فمضى السفوريون يترافعون عن قضيتهم بحماسة، ومع أن أثر قاسم أمين كان يبدو واضحا في أسلوب نقاشهم وحججهم، بحيث كان أكثرهم يردد آراءه ويكرر أفكاره، إلا أن بعضهم كان متأثرا بالتفكير اليساري وبرامج مصطفى أتاتورك. فمثلاً، كتب حسين الرحّال يقول: «الحجاب عادة دور- أي عصر- الإقطاعيات، وعادة الطبقة الأرستقراطية في الدور المذكور، والنساء المتحجبات عندنا منسوبات إلى أسر من أنقاض الدور الإقطاعي والمتشبهات بهن. أما بنات الشعب الصميمات فلسن بمتحجبات ولا يمكن أن يتحجبن. إن الحرم والحجاب ليس لهما وجود في طبقة الشعب وسيزولان عندما تسود طبقة الشعب، وتكون هي الحاكمة كما جرى في تركيا ومصر». ودرس كاتب آخر «محمد سليم فتاح» عام 1924، تطور العائلة كنظام اجتماعي، وقال إن مركز المرأة العراقية اليوم لا يختلف عن مركز المرأة اليونانية في العهود القديمة، «التي كانت تسكن داخل الدار لا تخرج إلا نادراً وكانت لا تقوم إلا بوظائف الخدمات البيتية». وتولى «بهجت الأثري» في جريدة «البدائع» تسفيه آراء السفوريين، في حين بقيت صحف أخرى على الحياد تنشر مقالات الطرفين كما أخذت المعركة تدخل في طور جديد، حيث ظهرت العبارات القاسية والاتهامات العنيفة فاتهم أنصار الحجاب دعاة السفور بالخلاعة والمجون والخروج عن الإسلام، بل إلهاء الشعب عن حسم قضية ولاية الموصل بقضايا جانبية، ورد أنصار السفور فاتهموا الحجابيين بالرجعية والجمود والأنانية. كتب جميل المدرس يرد على أنصار السفور عندما كتبوا بأن نساء العرب شاركن الرجال في أعمال في صدر الإسلام دون حجاب، فقال: «نعم كانوا هكذا في أيام الجاهلية، حيث كانت الأخلاق الشريفة والشرف والإباء شيمهم، ومن ثم أخذت تلك الأخلاق المحمودة بالتدهور إلى الدرك الأسفل يوما فيوماً، والأخلاق التي نحن سائرون إليها أدنى بكثير من أخلاق الجاهلية الأولى». ثم يقارن بعد ذلك بين المرأة العراقية قبل الاحتلال البريطاني وبعده، فيقول: «انظر قليلاً إلى الأخلاق والعفة التي كانت موجودة عند البنت العراقية قبل الاحتلال وبعده، ناشدتك بالله أين كانت مخبوءة قبل هذه السنين المشؤومة الجواريب المخرمة؟ والعباءة الواحدة القصيرة؟ والفستان القصير فوق الركبة، والنقاب «البوشي» أرقّ من هواء النسيم؟ إن الله عز وجل أمر ألا تخرج المرأة من عقر دارها إلا لغرض ضروري، واليوم تريد أن تذهب إلى المنتزهات العامة كجسر مود والصالحية والسينما». ثم يخاطب الكاتب «جميل المدرس» دعاة السفور بعنف قائلاً: «خذوا العبرة من النصارى واليهود مع أننا لا يمكننا أن نوجه اللوم إليهم، ورغماً عن هذا لا نجد اليوم فرقة كشافية إناثية في مدارسهم كمدارسنا الإناثية اليوم».
مشاركة :