«مصارف المحمول» تهدد بزعزعة نظيراتها التقليدية في جذب العملاء

  • 2/28/2019
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

رغم أنها لا تزال نادرة في سويسرا التي تعد بلاد المصارف، إذ تمثل أقل من 0.1 في المائة من حصة السوق، طبقا لمختصي السوق المالية، إلا أن "المصارف الرقمية" أو "مصارف المحمول" تجاوزت نسبة 6 في المائة في فرنسا، على سبيل المثال. لكن هذا الوضع لا يمكن أن يستمر، لأن "المصارف الجديدة" هي مصارف تستخدم التقنية والهواتف الذكية في أعمالها، ولا تزال تجذب مزيدا من المستخدمين، ما أثار خوفا عند المصارف التقليدية. وأصبحت "المصارف الجديدة"، كما يطلق عليها رسميا، أو "مصارف المحمول"، مثلما يطلق عليها استخفافا، متاحة في سويسرا منذ بضعة شهور فقط. ويمكن أن نلحظ ذلك التطور من خلال "روفولو" وهي مختصر لكلمة ثورة باللغة الإنجليزية، فقد كانت تضم 50 ألف مستخدم في الصيف الماضي، والآن تضم 90 ألف شخص يتبنى هذه التقنية اللندنية العالية التي تستهدف ضرب الرقم الأخير في اثنين قبل بلوغ نهاية العام الحالي. وقد جعلت "روفولو" نفسها معروفة من خلال تقديم خدمة صرف العملات دون أي تكلفة، تماما مثل البطاقات المصرفية، وتقدم هذه الشركة عبر تطبيق على المحمول عديدا من الخدمات المصرفية التي تم تكييفها خصيصا للمدفوعات بالعملات الأجنبية بسعر الصرف بين المصارف سواء بواسطة البطاقة الخاصة بها أو عبر الهاتف المحمول. لكن مؤسسة ألمانية صاعدة جديدة باسم "إن 26" من بين هذه المصارف الجديدة التي تخطط لبدء أنشطتها في سويسرا من الآن حتى نهاية النصف الأول من العام. وطبقا لاقتصاديين ومحللين ماليين، فإن المؤسسة الألمانية لديها الآن قائمة انتظار من عشرة آلاف زبون يهتم بهذا النوع من الخدمات المالية السريعة. وينظر المصرفيون السويسريون إلى هاتين المؤسستين بشيء من الريبة والخوف، ولا يخفي هؤلاء في كتاباتهم وتحليلاتهم أن هاتين المؤسستين لديهما رغبة مشتركة في قلب سوق العمليات المصرفية الاستهلاكية، أو سوق الخدمات المصرفية للأفراد، يتولى فيها المصرف تقديم الخدمات للمستهلكين الأفراد، وليس للشركات والمؤسسات أو المصارف الأخرى، وذلك بفتح حسابات مصرفية، وعمليات تحويل نقود، أو تغيير العملات برسوم رمزية، أو حتى صفر من التكاليف. وتماثل هذه الأعمال المصرفية بين الأفراد التي تتم على الهاتف المحمول، ما تقوم به المصارف التقليدية في مبانيها الضخمة في ذات المجال، وهذا ما يثير مخاوف الأخيرة. ويصف اقتصاديون تطور هذه المؤسسات الجديدة بـ"السريع، والباهر، والخاطف للأبصار"، فمثلا "روفولو" لم تتأسس قبل عام 2015، لكن الآن لديها ثلاثة ملايين مستخدم حققوا أكثر من 250 مليون عملية، وهي موجودة في 28 بلدا أوروبيا، وتم تقدير مبيعاتها الإجمالية الأخيرة في نيسان (أبريل) الماضي بحدود 1.7 مليار دولار. أما "إن 26"، فهي موجودة منذ عام 2013 ووصلت إلى مليوني مستخدم في 24 دولة بنهاية العام الماضي، وتبلغ مبيعاتها الإجمالية 2.7 مليار دولار. وهناك أيضا مصارف أخرى على الإنترنت تقدم خدمات مماثلة في أوروبا، لكنها لم تصل بعد إلى بلاد المصارف، أو لم تخطط بعد للقدوم. ويقول لـ "الاقتصادية"، بنجامين مانز، المدير العام لموقع "موني لاند دوت سي إج"، إن التنافسية الشديدة للغاية حول الأسعار بين هؤلاء اللاعبين الجدد، بعد إضافة "ترانسفير وايز" المتخصصة في نقل أموال من بلد إلى آخر، وأيضا سهولة استخدام تطبيقاتهم على الهاتف المحمول، وازدياد عدد زبائنهم بوتيرة سريعة نسبيا، "يجعل من الأمر لازما على المصارف السويسرية، على المدى المتوسط في الأقل، أن تجد إجابة حاسمة لخطر كامن بترك زبائنها يقعون بأيدي مقدمي الخدمات المالية الأجانب". ويضيف مانز، المسؤول عن المقارنة بين مختلف الخدمات المالية على الإنترنت، أنه يتلقى يوميا مزيدا من الأسئلة عن مقدمي الخدمات المالية هؤلاء. وبالنسبة لعديد من المختصين الاقتصاديين، فإن هذه الشركات لديها القدرة على زعزعة مصارف التجزئة ومصارف تقديم الخدمات المالية للمستهلكين في سويسرا. ويقول مارك بيرينكر، وهو مستثمر في تقنية الخدمات المالية، إنه لم يحصل أبدا أن جذب أي عرض خارجي سابق لتقنية الخدمات المالية مثل هذا العدد الكبير من المستهلكين السويسريين في مثل هذا الوقت القصير. وحسب رأيه: "من الواضح جدا أن هؤلاء اللاعبين الجدد هم في الواقع عنصر قادر على تهديد المصارف التقليدية التي تقدم خدماتها المالية للمستهلكين.. الأجيال الشابة، على وجه الخصوص، مهتمة بالحلول المالية المبتكرة التي هي ممتعة من جهة، وسهلة الاستخدام من جهة أخرى". وتوضح لـ "الاقتصادية"، كريستينا كيهل، مديرة مؤسسة "ستارت أب" السويسرية المالية، أن الأشخاص الذين يسافرون أو يعيشون في الخارج، يعتبرون هذا النوع من الخدمات أكثر ملاءمة لنمط حياتهم. وعما إذا كانت المصارف السويسرية ستضطجع لتأخذ المصارف الجديدة دورها، تبدو كيهل أقل تشاؤما، وهي تؤكد أن الزبائن السويسريين لا يغيرون بسهولة المؤسسة المالية التي اعتادوا عليها منذ سنين، وعلاوة على ذلك، فإن هذه السوق ليست السوق الأسهل لخوضها بالنسبة لمجهزي الخدمات المالية الجدد عبر الهاتف المحمول. وتشير كيهل، إلى أنها سوق صغيرة، تضم عدة لغات، وهذا في حد ذاته سيفرض تعقيدات عندما يراد الحصول على رخصة مصرفية، لكنها تقر، في الوقت ذاته، بأن وصول روفولو، التي لا تملك فريقا تشغيليا أو تسويقا على الأرض السويسرية قد حققت نجاحا. في المقابل، هيأت مصارف معينة بالفعل ردها، مثل مصرف "كلر" الذي أطلق على الفور تطبيقه "زاك" على الهاتف المحمول تحت شكل حساب مصرفي، لكنه رفض الإفصاح عن عدد الزبائن الذين تبنوا هذا التطبيق، غير أن الناطقة باسمه قالت لـ "الاقتصادية"، إن نمو عدد الزبائن في تطور جيد، وهو ما يتجاوز توقعات المصرف. وأضافت أن نصف مستخدمي التطبيق هم دون الـ 35 عاما، لكن الفئات العمرية كافة ممثلة فيه بما في ذلك الذين تجاوزوا السبعين، مشيرة إلى أن التطبيق لديه قوة في الجذب لأن 90 في المائة من مستخدميه من الزبائن الجدد. ويلاحظ مارك بيرينكر، أن عددا كبيرا من المصارف السويسرية وضعت نصب عينيها تبني مثل هذه التطبيقات، لكنها تعتقد أنها "وصلت الآن متأخرة لمنافسة المصارف الدولية الجديدة". وبعض المصارف اختارت أيضا طريق الشراكة، مثل المصرف الثاني "كريدي سويس" مع "روفولو"، حيث أصبح المصرف شريكا في تحويل الأموال بتقديمه رقم "الآيبان السويسري" للعملاء، الذين كانوا مضطرين لاستخدام "الآيبان البريطاني"، كما أتاح المصرف للعملاء تغيير حساباتهم بدون تكلفة. وتستعد بعض مؤسسات الخدمات المصرفية لتقديم خدمات على الإنترنت بأسعار زهيدة، مثل "نيون"، التي عرضت حسابا وبطاقة ائتمان من دون أي رسوم، لكنها لا تزال في مرحلة الإصدار التجريبي، كما أن "يابيل" هي الأخرى في طريقها لإطلاق مصرف جديد على الإنترنت لا يزال يتعين تحديد مخططاته.

مشاركة :