ملكٌ ملكَ القلوب (2) | محمد بشير كردي

  • 2/27/2015
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

لا زلتُ أذكر ذلك اليوم من صيف سنوات خلت، عندما كانت شمس الأصيل ترسل أشعتها الذهبية لتكسو ميناء بويرتوبانوس من كسائها الذهبي، ولتلقي روحًا من جمالها وبهائها على الغادين والرائحين، كنتُ يومها على موعد مع صديق، وكان اللقاء في مقهى «سالدوبا» بإطلالته الرائعة على ملتقى رصيفي الميناء، وتزامن وقتُ لقائنا مع وقت تجوّله المعتاد، فما أن ترجَّل من السيارة حتى اتجهتْ نحوه الوجوهُ، وعليها ابتسامة الترحيب، وتساءل جالسٌ بجانبنا من أهالي شمال أوروبا عمّن تكون هذه الشخصية التي أضفت -على جميع من عرفته- جوًّا من السرور والسعادة؟ فأجابه صديق ممّن كان معنا، مذكّرًا بالمثل العربي: (ملكُ الملوكِ إذَا وهبْ *** لا تسألنًّ عن السبب). وقد وهبه الله نعمةَ التواضع، وحبَّ التعرّف على من يلقاه، والتواصل معه، فمَلَكَ قلوبَ سكان شاطئ الشمس حبًّا، وقد كان لإقامته مذاقٌ متفردٌ، حيث كانت تضفي زيارته -هو وأسرته، ومَن معه من كبار شخصيات بلده، ومَن يقصدون مقابلته في هذا المنتجع- على ماربيا وما حولها حركة عمل وبيع وشراء تعود بالخير العميم، والرزق الوفير على كل قطاعات العمل من متاجر ومطاعم وفنادق ومقاصف، وما هذا الحب والتقدير الذي يلقاه هنا في شاطئ الشمس إلاَّ حروف من كتاب لا تحوى صفحاته إلاَّ حبًّا وتقديرًا واحترامًا في بلده، ويضيف محدِّثي القول بأنه بحُكم مهنته الإعلامية قام بزيارة هذه الشخصية المميّزة أكثر من مرة، وفي واحدة من تلك الزيارات قصده في مجلسه اليومي الذي يفتح أبوابه مع الساعة السابعة صباح كل يوم، يستقبل من يطلب العون والمساعدة، أو يطلب حقًّا وإنصافًا، أو يدفع ظلمًا واجتراء، وفي حالات كثيرة لطلب التوسط بين فريقين متنازعين، فيصغي السمع لعشرات المراجعين في تلك الجلسة، ومن ثم يُوجِّه صاحب الحاجة إلى مَن يتابع إجراءات طلبه من موظفي المجلس في الحال، ينتقل بعدها إلى مكتبه ليدير دفة العمل اليومي، بما فيها من استقبال شخصيات رسميين، ورجال إعلام وأدب وثقافة، ومتابعة سير العمل، وما تم من إنجاز للمشروعات التي وجّه بتنفيذها، ثم يواصل عمله حتى ساعات متأخّرة من المساء دون ملل أو كلل، ولا يقطع هذا الروتين في العمل قيامُه بإجازة -كما نراه الآن شعلة من عطاء-، فقد تعوّد على القيام المبكر من فراشه لتناول وجبة الفطور، وقراءة ما وصله عبر وسائل الاتّصال من أخبار محلية وإقليمية ودولية، تتبعها جولة الصباح الرياضية، فعودة إلى مكتبه ليطلع على بريد المعاملات الذي يصله تباعًا عبر جهاز الفاكس، فيبت فيها، معطيًا توجيهاته عبر الفاكس، أو عبر الخط التليفوني المباشر، ويستمر على هذه الحال متنقلاً ما بين مكتبه في القصر، وتمشيته في بويرتو بانوس وما حول الميناء من أماكن تستحق الزيارة، واستضافة العديد من ضيوفه في المطاعم، وبين مكتبه في مقر سكنه، بحيث إن ساعات عمله -وهو في إجازة- متقاربة جدًّا من ساعات عمله وهو في عاصمة بلده. والجدير بالتنويه ما أكرمه الله من ذاكرةٍ تحفظ له أسماء ووجوه مَن سبق أن التقى بهم، فتراه يناديهم بأسمائهم، ويستعيد معهم ذكريات اللقاءات السابقة، هذا إضافة إلى قدرته على تقييم مَن يُقابلهم إن كانوا جديرين بالمعرفة من أول لقاء، كأنّما الأقدار تهيئ العظماء لمعاني العطاء. وللحديث بقية بعون الله.

مشاركة :