شهد الجمهور في الليلة الثانية من ليالي مهرجان دبا الحصن للمسرح الثنائي، مسرحية «المغتربان» لفرقة مسرح نعم من فلسطين، وهي من إخراج إيهاب زاهدة، وترجمها وأعدها جورج إبراهيم عن نص «المهاجرون» ـ لسلافومير مروجك، وجسدها فوق الخشبة رائد الشيوخي، محمد الطيطي، مثّل الأول دور المثقف المنفي الذي عجز عن تغيير الأوضاع السياسية في بلاده فاختار أن يرحل بحثاً عن الأمان، أما الثاني فلقد أدى دور عامل بسيط لم يكمل تعليمه، وترك بلده بحثاً عن المال، وهو يشقى طول يومه بمغتربه، في حفر المجاري نظير دولارات قليلة، يجمعها بغية تحسين وضع عائلته في وطنه. وبقدر ما يبدو الأول متشائماً، ولا يعجبه أن يبقى مغترباً كما لا يستطيع أن يعود إلى بلده، يظهر الثاني حيوياً وبسيطاً في فهمه الحياة، وهو طموح ويثق في أن بوسعه تحقيق هدفه وإنجاز مشروعه. ومن هنا، يأتي الاختلاف بين الاثنين، ففيما يحاول الأول أن يحض الثاني على أن يغير من نمط حياته، وأن يتعلم لغة تساعده في العيش بمجتمعه الجديد وترتقي به وظيفياً بدلاً من مهنته الشقية، يصر الثاني على مفهومه للحياة ولا يجد غضاضة في ما يفعله، ويعترض على أسلوب حياة المثقف الحالم، وهو يستغرب كيف لشخص يبقى طول يومه في البيت يقرأ في الكتب والمجلات ومن دون عمل، أن يكون ناصحاً له. وما بين هذه الخطوط الأساسية، يظهر العمل الطبيعة السيكولوجية للاثنين، عبر سلسلة من المواقف، حول مسائل يومية كالأكل والشرب والاحتفال، بحيث يمكن للرائي أن يتبين عمقهما الإنساني، وروحهما المتسامحة، فليس بينهما عداء بالمعنى التقليدي، كما لا يمكن اعتبار أحدهما شريراً والثاني خيراً، وبرغم اختلافهما فإن لكل واحد منهما القدرة على التأثير العاطفي على الآخر، فما يجمعهما ليس الوطن أو اللغة أو الغرفة التي يسكنانها أو الغربة فحسب، ولكن الاختلاف بينهما يكمن في أن لكل واحد منهما منظوره وفهمه لمعنى الحياة لا سيما في المهجر، فأحدهما يرى الحياة معاشاً ولبساً وسكناً والآخر يراها عقلاً وقيماً وفهماً. وتجري وقائع العرض، في ليلة رأس السنة، ليبدو الحوار بين «س» و«ص» (كما اختار النص تسميتهما) بمثابة «جرد سنوي» لما حققاه خلال ما انقضى من أيامهما في الغربة. أما فضاء العرض فبيتهما المتواضع، الكائن أسفل بناية، وهيئته أشبه بمخزن ولكن مخرج العرض صممه بحيث يبدو، في شكله العام، شبيهاً ببطن، وهو وظف أنابيب الصرف الصحي البلاستيكية، المتوزعة على امتداد سقفه وجدرانه، لتعطي هذا المعنى ولكن أيضاً لتظهر فقر وبؤس المكان. وبدا الأداء التمثيلي مظهراً جمالياً ومنهجيةً تعبيريةً أكثر ظهوراً مقارنة بسواه من عناصر العرض، وقد اتسم بطواعية تدل على خبرة وتمكن، وصدقية فنية تجاوب معها الجمهور بشكل واضح، وهو ما أكدته العديد من الإفادات التي قدمت في الندوة النقدية التي تلت تقديم العرض وقدمها المخرج العراقي حازم كمال الدين. وكان اليوم الثاني من المهرجان شهد عند الخامسة مساء، ورشة تدريبية تحت عنوان «التمثيل الصامت في مسرح الصغار» أشرفت عليها الفنان المصرية سماء إبراهيم بمشاركة أكثر من خمسين متدرباً. وجاء اليوم الثاني من المهرجان الذي يختتم في الثالث من الشهر الجاري، تحت رعاية مركز شرطة دبا الحصن.
مشاركة :