خرجنا يوم الأربعاء الماضي للتنزّه على كورنيش «الدمام» لأخذ فترة استراحة من شتاء المنزل وجدرانه الباردة، وكذلك للبحث عن «شاي كرك» دافئ كما أخبرتكم في مقال سابق والذي يباع عند أحد الباعة الذين تعرفنا عليهم مؤخراً، والذين ينصبون طاولاتهم ويشبّون حطبهم على الأرصفة. طبعاً.. وجدت طلبي بسهولة خاصة حين رأى البائع سيارتنا رغم الزحام الذي تسبّبت فيه طوابير الزبائن. ورغم أنه يعرف طلبنا جيداً، إلا أنني استغللت الفرصة واقترحت عليه أن يضيف شاي (لومي) إلى (منيو) البسطة. لا أرغب أن يزعل مني المسؤولون، بس بصراحة كورنيش «الدمام» صار خفيف دم بوجود هذه المشروبات الساخنة والتراثية وبعض الأكلات الخفيفة الشعبية. أفضّل كثيراً هذا الاحساس في المدن والعواصم بعيداً عن المظاهر المصطنعة، وهذا بالضبط ما أفضّله أيضاً أثناء السفر أكثر من ارتيادي الكافيهات المنمّقة والمتأنقة والمرسومة، وذلك لأتمكّن من مشاهدة وجه المدينة الحقيقي وسكّانها الأصليين، بوجوههم وملامحهم ولهجاتهم وطقوسهم خوفاً من فقدانها أو اندثارها. رغم عدم نظامية هذه البسطات التي تتنافس فيما بينها لأخذ مكان مميز لجذب الزبائن، إلا أنني أعترف بارتيادي الدائم لها مثل الكثير من الناس، وأعترف أيضاً بأنني أرغب في تشجيع السياحة (الكورنيشية) لأنها قريبة جداً من منزلي، كما أعترف بأنني جرّبت كل مذاقات شاي (الكرك) من جميع البسطات وبالذات تلك التي تتفنّن في الزينة والأواني القديمة وأشكال الأباريق الملونة، لكن أبشّركم.. استقْرَرْت أخيراً على (بسطتين) فقط ممن يزيدون حبّات الهيل الذي أحبه في (الكرك) بحيث إن لم أجد إحداهما.. ذهبت للأخرى احتياطاً. أغلب أصحاب البسطات مواطنات ومواطنون سعوديون، وليسوا طارئين على المكان إنما هم جزء من المجتمع، وبالتأكيد لم يذهبوا بمعروضاتهم من البضائع والقهوة والمأكولات الشعبية كالبليلة والتمر بالطحينية وشاي الجمر وغيره، إلّا لحاجتهم إلى المال أو ما يمكن أن يكفل لهم حياة كريمة ولو مؤقتاً لحين مداهمة و(كبسة) الشرطة أو البلدية عليهم. كنت أتمنى أن تهتم بلدية المنطقة الشرقية بهؤلاء البائعين بشكل مختلف، بحيث يجدون طريقة تهيّئ لهم المكان بشكل أفضل، وتسمح لهم بممارسة نشاطهم كجزء من العملية التجارية الترفيهية التي نشاهدها في جميع أنحاء العالم، ودون أن يحرموني من (الكرك) طبعاً، بحيث تكون منظومتهم جزءاً من الواجهة البحرية، وجزءًا من هوية المكان والترويج لها، والتأكيد عليها. الشاطئ ليس ملكاً للطبقات المرفّهة أو الذين لديهم القدرة المالية على ارتياد المطاعم التي تنتشر على الواجهة، وإنما هو ملك لعامة الناس والعائلات بأطفالهم، ومن لا يستطيعون دفع ثمن وجبة باذخة، إنما بمقدروهم ربما شرب كأس من الشاي أو شراء بالون أو ذرة مشوية بتكلفة (معقولة) تتناسب مع دخلهم (غير المعقول). ماجستير تربية خاصة - مدرب معتمد
مشاركة :