لقد سعدت كثيرا عندما قمت بزيارة هذه المدرسة وذلك بعد أن ألبستها الشيخة مي بنت محمد الخليفة ثوب التجديد والزينة والعافية وكنت قد تركتها عام 1946/1947 يا لهول ما شاهدته اليوم، لقد أعيد إليها الكثير من شبابها وشكلها ورونقها، لقد وفقت في حوش المدرسة صامتا مذهولاً ومتأملاً بينما شريط الذكريات أو الماضي بدأ يشتغل وأنا انتقل معه من موقع إلى آخر، بدأت أنظر إلى الصفوف الأولى التي دخلتها للمرة الأولى وهي من الغرب مارا بالصفوف التي في الشرق والشمال حتى حطيت رحالي في الصفوف الأخيرة من الجنوب الغربي. وهنا بدأت أتذكر من كان معي في تلك الصفوف الدراسية، طبعا من الصعب أن أتذكر الجميع ولكنني أخذت أنادي وأردد بعضا منهم: جاسم محمد فخرو، وحمد الزياني، وعابدين السيد بدر، وإبراهيم زباري، وأحمد بن اشعيل وغيرهم. وفجأة سمعت صوتا أو صدى آتيا من بعيد يقول لي لا تتعب نفسك لقد رحل الجميع ولم يبق بعدهم إلا الجدران والأبواب والدرايش في صفوف مدرستك، واستمريت في التأمل حتى تذكرت من خلال هذا الشريط تلك الليلة التي جلسنا فيها على التراب ونحن نتابع أخبار العالم من خلال سينما صامتة صغيرة، تصوروا شعورنا ونحن نشاهد للمرة الأولى آلة سينمائية صامتة وهي تحكي لنا عن أحداث العالم، تذكرت أيضا الجرس اليدوي الذي كنا نسمعه كل يوم وهو يرن ويعلن بدء يوم دراسي وانتهاءه! ثم ذهبت شمالاً باتجاه الشرق آخر صف لأبحث عن جحلة الماء الكبيرة وفوقها البالدي المربوط معها حيث كنا نشرب منه الماء، لا أدري هل هو من ماء الجليب أو من قرب الماء. ايه يا مدرسة الهداية وزمانها الحلو، لقد صمدت سنين طويلة من خلال موجات من الإهمال والنسيان وهي تجابه وتقاوم الزمن وتقلباته حتى بدأت بعض الأحجار تتساقط منها، لقد صبرت كثيرا حتى جاءها الفرج في ذلك اليوم الذي أصبحت فيه ترى النور من بعد ظلمه طويلة مرت بها ولفتها عن أعين الناس. لقد تجولت من صف إلى آخر وأنا أتذكر أيامنا، أيام الأربعينيات الدراسية وأيام الصبا وأردد وأقول يا ليت الزمان ذلك الزمان يعود يوما، وهكذا لم أنس أيضا ذلك النشيد الذي كان يهز القلب والوجدان: موطني – موطني، وعندما هممت بالرجوع والتفت ورائي لأودع مدرستي التي تعلمت فيها مزيدا من العلم والمعرفة والتي كانوا يسمونها جامعة المحرق تذكرت أولئك الأساتذة الكبار الذين تخرجت على أياديهم أجيال ثم أجيال من أبناء المحرق. الآن وبعد هذه الجولة القصيرة دعوني أن أشكر من أعاد إلى هذه المدرسة الحياة، دعوني أتقدم بخالص الشكر والتقدير إلى الشيخة مي بنت محمد آل خليفة على جهودها الكبيرة والجبارة في إعادة الحياة والتجديد، ليس إلى هذه المدرسة فحسب بل إلى كثير من المواقع الأثرية، لم تكتف الشيخة مي بنت محمد آل خليفة بهذا الجهد الجبار الذي بذلته أياما وأشهرا طويلة في إعادة إعمار هذه المدرسة، بل أتت بصور ذلك العهد، أتت بصور أولئك الرجال الذين كان لهم الفضل الكبير في إبراز هذا الصرح والمعلم التاريخي، إنهم أولئك الذين بذلوا المال والجهد الكبير والكثير في إنشاء أول مدرسة للأولاد في تاريخ البحرين أقول: لقد أتت الشيخة مي بصور أولئك الرجال وعرضتهم منفردين وبصورة تجذب الناظرين أو المشاهدين إليهم ووضعتهم في مواقع متفرقة وذلك عرفانا وتقديرا لما قدموه لوطنهم البحرين في إنشاء هذه المدرسة. لقد اتصلت بالشيخة مي آل خليفة وقلت لها لو كان لدينا من قبل وفي ذلك الزمان الماضي مثل مي بنت محمد آل خليفة لما تم هدم مدرسة الهداية في بيت علي بن إبراهيم الزياني (1913)، ولا تم هدم مستشفى فكتوريا التاريخي (أسس 1900)، ولا تم هدم مدرسة البنات (1928) المستأجرة من عبدالرحمن بن محمد الزياني، وكثير من المواقع القديمة. وفي الأخير وأنا أودع المدرسة أقول وأردد: كثر الله من أمثال الشيخة مي بنت محمد آل خليفة، فلها خالص شكري وتقديري وتحياتي مع تمنياتي لها الصحة والسعادة والتوفيق.
مشاركة :