صدر للشاعر أحمد الشهاوي أخيراً كتاب «كن عاشقاً» عن الدار المصرية اللبنانية، ويعد ذروة مشروعه الأدبي الكبير الذي بدأه قبل أكثر من 20 عاماً، إذ يحمل رؤية صافية وثاقبة لأعماق النفس التي جبلت على الحب، الطريق الوحيد للطمأنينة والاستقرار في مجتمع غلبت عليه الضغينة والكره والحقد. يتسامى أحمد الشهاوي في كتابه «كن عاشقاً» بالمرأة، فيراها أكثر رقياً من الرجل في الحب، فهي من دون الحب تعيش حياة يصيبها الفقد في كل شيء. يدور الكتاب في آفاق صوفية رحبة، ويخاطب الروح قبل الجسد، مستلهماً كتب التراث، وما خطه السابقون من الأسلاف في علوم العشق كإخوان الصفا، وما جاء في لسان العرب لابن منظور، وكتابات ابن حزم الأندلسي وغيرهم متناولاً أوجه العشق ومعانيه، فهو كما يقول: «كل عشق هو حب، وليس كل الحب عشقاً... فكثير منا يعيش ولا يعرف ما الحب وما مكانته؟ وقبل أن تعرف كيف تحب عليك إدراك ما هو الحب، ولماذا نحب، لأن الحب صار شائعاً وغريباً بين الناس ممارسة وسلوكاً». فلسفة الفطرة يؤكد الشهاوي في كتابه أن العشق فلسفة الفطرة التي يكون عليها المحب والمحبوب، «أنت لا ترتقي إلا بالحب، ولا تصل إلى معارج السعادة إلا به، ذلك القديم قدم الأزل والذي يستمر جديداً حاملاً تاريخه ومسيرته التي توزعت على بني البشر الذين يستحقون أن يرفعوا رايته عنواناً لهم على مجتمعاتهم المبنية عليه، وذلك الحب هو الذي رآه لسان الدين بن الخطيب غايته نعيم لا ينقضي أبده، ولا ينفد مدده، ولا يفصل وصله، ولا يفارق الفرع أصله. ورآه الجاحظ من أكبر أسباب جماع الخير». ورغم تنوع كتابات الشهاوي بين الكتابة في ما يسميه أدب العشق وفلسفة الدين وهو الشاعر بالأساس، فإنه يرى نفسه حسبما يقول في كتابه «كن عاشقاً»: «أنا من الذين يدعون إلى العشق ويرغبون فيه، لأنه يجعلك تكشف أصل الأشياء بسهولة ويسر من دون تعقيدات. ليس لأنني خبرته أو خبير به، بل لأنني أدرك ماذا يفعل في النفوس التي تفتح أبوابها له، والنفس العاشقة عندي هي نفس قدسية تصل بصاحبها إلى مرتبة الإنسان الكامل، حيث يصدر عنها نور خاص ساطع ظاهرياً وباطنياً يتصل بجواهرها، لأن العشق كما يذكره داود الإنطاكي ألطف موجود في الوجود حيث المعاني واضحة والتعبيرات ملقاة على قارعة طريق العاشق أو المعشوق، وحيث ينتصر المرء لما هو سام، وراق، ونقي، وعال في سموقه وخصوصيته، فضلاً عن أنه يكفل للمرء الطمأنينة والأمن والأمان من دون أن يصيبه خوف، أو ينتابه قلق، أو يقابله شك أو ريبة مهما تكن صورته». وينتقد الشهاوي في كتابه كل الذين يرون أن العشق تعطيل للإرادة كعباس محمود العقاد ويقول: ما هو إلا نتاج عقدة نقص العشق عنده وعند غيره ممن تبنوا مبدأ ذم الهوى، ومنهم في زماننا وأزمنة سابقة من طعن على كتب الأسبقين من الأسلاف في علوم العشق. خطاب الحب ويقارن الشهاوي بين أحوال العشق في زمننا هذا وبين الماضي القريب، ويقول: «لاحظت أن عقود الأربعينات والخمسينات والستينات من القرن الماضي شهدت صدور كتب ودراسات علمية ناقشت ودرست ظاهرة الحب في تاريخ العرب، بينما بدأت التآليف تقل أو تتراجع أو تختفى بعد ذلك، كأن الأكاديميين في الجامعات رؤوا أن الحب عيب وهو غير جدير بالدراسة والبحث». ويرى أن خطاب الحب غاب في الثقافة العربية، وصار الخناق ضيقاً على الناس، وحل خطاب الكراهية بديلاً مكانه، ولم يعد العرب يقدمون خطاب العشق المعروف والمشهود لهم به في تراثهم وتراث الإنسانية جمعاء. يستهدف الشهاوي في كتابه المعرفة وإرشاد روحه فهو لا يحاول البحث عن نظرية عربية في العشق أو يقدم فلسفة للحب بقدر ما يسعى إلى إرشاد روحي ومعرفة النفس ومعرفة المرأة في أحوالها وتحولاتها، مسترشداً بذلك بشيوخ العشق خصوصاً الفقهاء والعلماء. ويؤكد الكتاب أن العشق لا ينمو في بلد يحكمه اقتتال واستبداد وتسلط ويسيطر عليه حكم ظالم قامع يسجن الحواس لأن الشعوب الحرة تحمل الحب جامحاً دافقاً كسيول لا توقفها سدود البشر. نبذة صدرت للشاعر أحمد الشهاوي أعمال عدة من بينها: «ركعتان للعشق، والأحاديث (السفر الأول)، وكتاب العشق، والأحاديث (السفر الثاني)، وأحوال العاشق، والأحاديث (مختارات)، وكتاب الموت، وقل هي، ومياه في الأصابع، والوصايا... في عشق النساء، وسماء باسمي، ولا أراني». ترجمت قصائده إلى لغات عدة، وهو عضو في الموسوعة العالمية للشعر منذ عام 1992، وفي لجنة الشعر في المجلس الأعلى للثقافة 2001، وحاز جائزة اليونسكو في الآداب عام 1995، وجائزة كفافيس في الشعر عام 1998. يسافر في رحلات أدبية وثقافية إلى بلدان العالم، وتناولت شعره أطروحات الماجستير والدكتوراه في الجامعات العربية.
مشاركة :