الأزمات قدر العلاقات الإنسانية كما السياسية ونقطة تحول خيرا أم شرا. وأن يقيض لهذه الأزمات من يخمد فتنة نارها فهذا هو لب الدبلوماسية وصميم عملها. إلا أن هذا التوسط في أزمات الآخرين تلزمه إضافة إلى البراعة السياسية مكانة رفيعة لا تتأتى لكثير من الدول. ويأتي تصريح وزير الإعلام الباكستاني المؤكد على دور محوري للمملكة العربية السعودية في احتواء الأزمة الأخيرة بين الجارتين النوويتين الهند وباكستان ليقدم مثالا ناصعا على دولة استثناء في هذا المجال. فالسعودية لم تعد صمام أمان للإقليم المحيط بها بحكم موقعها الجغرافي فقط، بل بات دورها يمتد لتخوم شبه القارة الهندية. ففضلا عن مكانة المملكة الروحية بالنسبة لأكثر من مليار مسلم حول العالم، تأتي زيارات قادتها ومبادراتهم الأخيرة شرقا وغربا على حد مسطرة اقتصادية وسياسية واحدة، لتضيف لهذا البعد التاريخي مصالح ظرفية وواقعية لا يمكن تجاهلها عند عقد أي صفقة أو حتى عند التلويح ببوادر خلاف أو غضبة. المكانة لا تشترى، ولا يمكن المقايضة حولها أيضا؛ حقيقة يدركها المتعمقون في الشأن الدولي منذ مئات السنين. فرغم محاولات بعض الدول الصغيرة والكبيرة دفع الغالي والنفيس مقابل حظوة سياسية أو اعتراف دولي مميز وطويل الأمد إلا أنها كلها محاولات، باء حاضرها بالفشل السياسي وذكرها بالعار التاريخي. ومن هنا كان الاحتفاء بمكانة المملكة العربية السعودية دوليا والعمل على تعزيزها وتطويرها فخرا وطنيا وحقا أدبيا لا يمكن تجاهله أو التهاون فيه. خصوصا أن الحملات المعادية والممنهجة تتحين الفرص لإظهار المملكة في صورة الدولة التواقة للحروب والصراعات، متخذين من أزمة اليمن ذريعة لخلط الأوراق والتضليل. اليمن وباكستان وغيرهما من الدول الشقيقة والصديقة، لم ولن تجد من هو أكثر من المملكة حرصا على نزع فتيل أزماتها واحتواء صراعاتها شرط أن لا تكون المساعي عونا للظلم والجور أيا كان مصدره، وأن لا تلتزم حيادا مجحفا، فهذا أيضا يتنافى وطبيعة مكانتها بين الدول والشعوب، التي ترى في إنصافها ومصداقيتها مثالا يحتذى. ويبقى الحضور الدولي السعودي لحل النزاعات والصراعات امتدادا لوجودها كصمام أمان واستقرار إقليمي ودولي، من خلال مبادراتها الإيجابية قبل حدوث الأزمات. ودائما باستثمار الرياض المتواصل في كثير من المناحي التنموية والإنسانية حول العالم، ما يقطع الطريق على مفتعلي الأزمات ومسبباتها من جهة، ويعزز ثقل حضورها ومكانة تأثيرها من جهة أخرى.
مشاركة :