فجعت الساحة الثقافية، على نحو مباغت، صباح أمس بوفاة الممثل والمخرج الإماراتي حميد سمبيج، أحد أبرز وجوه المسرح الإماراتي وأكثر صنّاعه حضوراً وألفةً وأريحيةً وشفافيةً، على مدار العقود الثلاثة الماضية. بدأ سمبيج (مواليد 1964) مشواره المسرحي صغيراً، حينما كان في المرحلة الإعدادية بمدرسة حلوان في الشارقة، وهو قال، مرة، إنه تأثر بصديقه إبراهيم سالم، حين توجه للمرة الأولى إلى المسرح، لكن الثابت أن أول عمل مسرحي شارك به كممثل كان تحت عنوان «لا آخذ ثمناً على معروف» بإشراف الفنان المصري لطفي لبيب (1979)، وبعد سنوات قليلة التحق الراحل بفرقة مسرح خالد (المسرح الحديث حالياً)، وهو يعد من مؤسسي هذا المسرح إلى جانب ثلة من المسرحيين، وههنا زاد سمبيج طموحه المسرحي وعمد إلى صقل قدراته لاسيما التمثيلية، وقد خضع لبرنامج تدريبي (1983) كان يشرف عليه المسرحي السوداني يحيى الحاج (رحل ديسمبر 2018). كما شارك سمبيج، كممثل، في عدد من العروض ذات الطابع التجريبي مع هذه الفرقة مثل: «الله يكون في العون» و«مأساة بائع الدبس الفقير» لسعد الله ونوس و«كلهم أبنائي» وسواها. وكان سمبيج من بين من استفادوا من الورشة المسرحية التي نظمتها وزارة الثقافة والإعلام 1982، وبعد ثلاث سنوات من تلك التجربة انتقل إلى مسرح الشارقة الوطني، حيث شارك معه في عروض عدة وخصوصاً على خشبة أيام الشارقة المسرحية. وعلى الصعيد الإداري شغل سمبيج العديد من المواقع، ولكن تجربته في قسم الأنشطة الثقافية بوزارة التربية كانت الأطول، فلقد استمرت لعقد من الزمن، حيث شارك مع آخرين في تأسيس قاعدة المسرح المدرسي، كما ساهم في إصدار كتاب إرشادي حول دور المنشط المسرحي. وعبر عروض مثل «رأس المملوك جابر»، و«جميلة»، و«قبر الولي» و«وما كان لأحمد بنت سليمان» و«حكايات من أزقة العالم الثالث»، «الشيخ والطريق»، كرس سمبيج اسمه كممثل مسرحي، يضفي على كل دور يلعبه، قلّت أو زادت مساحته، كل ما يحقق له الكفاية والتأثير. لاحقاً، سافر الراحل إلى القاهرة حيث درس بمعهد الفنون المسرحية وأكمل دراسته في المعهد المسرحي بالكويت، وعاد ليستكمل مشواره مع المسرح، كما انتسب للإذاعة والتلفزيون في صفة مخرج. وعند عودته التحق بفرقة مسرح الشارقة الوطني، التي كان يعدها محطة احترافية مهمة ومميزة في مسيرته، وقد اشترك كممثل ومساعد مخرج في المسرحيات التي كتبها صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، وهي: «عودة هولاكو، الواقع صورة طبق الأصل، الإسكندر الأكبر، النمرود، شمشون الجبار، الحجر الأسود»، والتي قدمتها فرقة مسرح الشارقة الوطني. وفي السنوات العشر الأخيرة شارك سمبيج بفعالية في العديد من العروض والفعاليات، محلياً وعربياً، ولعل من أهم الأحداث التي عرفتها تجربته قبل غيابه، تكريمه في مارس 2017 من اللجنة العليا المنظمة لأيام الشارقة المسرحية (الدورة 27)، وتكريمه في ديسمبر 2018 من طرف مهرجان الإمارات لمسرح الطفل. ومن الأعمال الأخيرة التي شارك بها كممثل: مسرحية «غلط»، و«ليلة القبض على ضرغام»، و«جدر مرق»، و«انت لست كارا»، و«حرب النعل»، و«لا تقصص رؤياك»، و«غصة عبور». ومعظمها من إخراج محمد العامري. وكان آخر عمل مسرحي شارك به في فبراير الماضي وهو مسرحية «مجاريح» من تأليف إسماعيل عبد الله، وإخراج محمد العامري، وقدمته فرقة مسرح الشارقة الوطني في إطار مهرجان الشارقة للمسرح الخليجي. إلى جانب «مسرح المحترفين»، شارك سمبيج أيضا في مسرح الصغار، في أدوار عدة، كما قام بتجسيد شخصيات عدة في الدراما التلفزيونية المحلية. ولمرة يتيمة توجه الراحل إلى الإخراج المسرحي، متصدياً لمسرحية قصيرة من شخصيتين بعنوان «سكوريال» وشارك بها في مهرجان دبا الحصن للمسرح الثنائي 2016. ولا يمكن إغفال دوره كمخرج تلفزيوني عبر شاشة تلفزيون الشارقة ومن موقعه هذا أخرج، عبر الكاميرا، العديد من الاحتفاليات والمهرجانات المسرحية، خاصة التي نظمت في الشارقة، كما كان قد استهل منذ شهر فبراير الماضي، إخراج برنامج تلفزيوني، مكرس للمسرح تحت عنوان «يبقى المسرح»، بثت منه ثلاث حلقات فقط. وعرف عن الراحل براعته في أداء أدوار الشخصيات الثانوية والهامشية على المسرح، تلك الشخصيات التي تظهر لوقت قصير في المشهد ولكن أثرها يبقى، قولاً وفعلاً، على مدار زمن العرض، كما عرف عنه، طيبته وشفافيته ومرحه، وقابليته الفريدة على التواصل وخلق الصلات الطيبة مع الناس، كل الناس، وفي أي مكان، وهو كان يحرص أيضاً على استقطاب المواهب الشابة، خاصة للفرق التي ينتسب لها، ويعد من بين من أسسوا لمهرجان دبي لمسرح الشباب، كما كان له دوره في تأسيس تجربة المهرجان المسرحي المحلي (استمر لثلاث دورات). برحيل حميد سمبيج يفقد مقر مسرح الشارقة الوطني بشكل خاص، والوسط المسرحي الإماراتي بشكل عام، وجهاً أنيساً وإنسانياً أحبه الجميع.
مشاركة :