جدار صلب، يناط به اللوم وتلقى على كاهله المسؤولية!! رف عملاق يضع الناس فوقه أثقال ما يومض في رؤوسهم من الأفكار!! من يرغب تحقيق غاية من الغايات ويخشى أن لا تجد لها بين الناس موافقا، ما عليه سوى أن يبرأ من نسبتها إلى نفسه ويبادر بنسبتها إلى (رغبة) المجتمع، ومثله أيضا، من يكره أمرا من الأمور ويود له ألا يتحقق، بإمكانه أن ينسب الرفض إلى المجتمع مبرئا ذاته من أن يكون لها نصيب من ذلك الرفض. ربما لهذا صار معتادا أن تجد الذين يرفضون عمل المرأة ويكرهون تأنيث بعض الأعمال، يستمدون شجاعتهم على مقاومة التغيير بتبرئة أنفسهم من أن تكون تلك رغبتهم الخاصة، وإنما هم منفذون لرغبة المجتمع، فالمجتمع يستفزه أن تعمل المرأة في بيئة غير تقليدية، ويدفع به إلى الاحتقان أن يراها تقوم بتلك الأعمال!! كذلك من يكره رؤية النساء يقدن السيارات، لكنه يخجل من التصريح برأيه خشية أن يظهر أمام الناس بمظهر الإنسان الخالي من المنطق، تجده يبادر إلى الاستناد إلى جدار المجتمع، فيدعي أنه شخصيا لا يمانع في ذلك، إلا أن المجتمع ما زال غير مهيأ لخوض التجربة. الغريب أن هذا المجتمع، الذي يستند إليه المعارضون في تبرير اعتراضاتهم على بعض الأمور، يظهر أحيانا في صورة مناقضة تماما، تبرهن على أنه ظلم فيما نسب إليه، وأنه لا اعتراض عنده على شيء مما نسب إليه. بل إن المجتمع يظهر في صورة المؤيد والمطالب لما قيل أنه يرفضه، كأن تسمع على لسان من يؤيد خروج النساء للعمل قوله إن المجتمع في حاجة إلى مشاركة المرأة، وأنه يتطلع إلى خدماتها، وأنه بات مهيأ ومستعدا للتغير والتطور!! وهكذا لك أن تقول مثل ذلك في أمور أخرى كثيرة. هذا المجتمع المسكين كثيرا ما يظهر مناقضا لنفسه حين يقال عنه مرة إنه يرفض أمرا، ثم يقال عنه مرة ثانية إنه يطلبه ويحتاج إليه، وهو في حقيقة أمره، بريء من هذا وذاك، فهو لا حول له ولا قوة، بعد أن بات جدارا يستند إليه كل أحد ليحقق باسمه ما يحب ويرضى. سلوك كهذا يدل على أن غالبية الناس يهربون من حمل مسؤولية أفعالهم وأفكارهم وأقوالهم، ويفضلون إلقاءها بعيدا عن كواهلهم، إما لأنهم لا قدرة لهم على الصراع ومجابهة الحقائق ومواجهة الواقع، وإما لأنهم هم أنفسهم غير واثقين تماما من صواب ما يقولون أو يفعلون، فيفضلون الهرب من ردود الفعل المضادة والسلبية التي قد تنجم عن مطالباتهم!!.
مشاركة :