تذكرت كتاب المؤلف الرائع مالكوم جلادويل Malcolm Gladwell وعنوانه "اللحظة الحرجة" The Tipping Point، وهو صحفي إنجليزي - كندي ومؤلف لأربعة كتب أخرى رائعة تصدرت جميعها قائمة نيويورك تايمز للكتب الأكثر مبيعا وهي: The Tipping Point, Blink, Outliers, وWhat the Dog Saw، وأوصي بقراءتها جميعا، وهي تدرس في الجامعات الغربية بشكل واسع وهي سهلة القراءة عظيمة الفائدة، أقول تذكرت كتاب "اللحظة الحرجة" وأنا أقرأ تصريح الأستاذ أمين مدني الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي الذي قال فيه: "إن الخطوة الأساس والأكثر أهمية تتمثل في الوصول إلى فهم واضح لجذور الإرهاب، وفهم تلك اللحظة التي يتحول فيها الفرد إلى "إرهابي." مشيرا إلى أنه لا مناص من محاسبة الذات الوطنية والأيديولوجية الدينية لنضع أصبعنا على "الثقب الأسود". وقد أكد الأمين العام في كلمته أمام القمة العالمية الأولى حول مكافحة التطرف العنيف في واشنطن الخميس الماضي 19 فبراير 2015 أن منظمة التعاون الإسلامي ملتزمة بمكافحة الإرهاب و"التطرف العنيف"، وتتمسك بموقفها المبدئي ضد الإرهاب بجميع أشكاله وتجلياته، مهما كان من اقترفه وحيثما وقع، وتجدد التأكيد على رفضها القاطع لجميع محاولات ربط الإرهاب بأي بلد أو جنس أو دين أو ثقافة أو جنسية. وأضاف: "إن منظمة التعاون الإسلامي ترى أن التصدي لـ"التطرف العنيف" لا يمكن أن يتحقق بالوسائل الأمنية والعسكرية وحدها، بل لا بد من فهم وتحليل وتقصٍّ ومواجهة الأبعاد المتعددة لهذه الظاهرة، وفي مقدمتها السياقات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي توفر الظروف المواتية لتفشي الإرهاب والتطرف العنيف، مثل الحرمان الاقتصادي، والإقصاء، والاستلاب، والتهميش، والتفكيك القسري للمؤسسات السياسية والقانونية والأمنية والاجتماعية والثقافية". وفي مقال سابق وقريب تحدثت عن تلك اللحظة الحرجة في حياة الشباب، وأوردت كلمات "فهم وتحليل وتقصٍّ"، هذه الكلمات تعني بالضبط أن نعرف اللحظة الحرجة، اللحظة الحرجة هنا هي مفترق الطرق إما إلى اليمين وإما إلى الشمال، ولا بد أن نعرف أن هناك جهودا تبذل من النشطاء Activists في المنظمات الإرهابية لجذب الشباب إلى تيارهم الرئيسي، وهؤلاء النشطاء محترفون ويعرفون الطرق والأساليب التي يتم من خلالها جذب الشباب إلى ما يؤمنون به، وبعد أن يتم انخراط أولئك الشباب في تياراتهم يتم تكليفهم بمهام تتوافق مع أهداف تلك التيارات، وقد ساعدت وسائل التواصل الاجتماعي، بل وسهلت الوصول إلى الشباب، وإقناعهم بالالتحاق إلى تلك التنظيمات وتبني أفكارها، بل والتضحية بكل ما أمكن في تحقيق أهدافها، والتحدي الآن الماثل أمامنا كأولياء أمور ومدارس ومجتمعات ودول هو أن نعرف اللحظة الحرجة التي يتم فيها انعطاف الشاب، ذلك الانعطاف الذي يحول فكره وحياته كلها إلى التيارات التي تجذبه، إذا لم نعرف تلك اللحظة لا يمكن أن نساعد الشباب في الوقاية من الأفكار المضللة الهدامة. اليوم هو يوم العلم لا الاجتهادات، اليوم لا بد من الفهم والتحليل والتقصي، وتقول الدراسات إن المنظمات الإرهابية اليوم أصبحت تجاري العصر أكثر من الدول وأجهزتها الاستخباراتية، وأصبح لدى تلك المنظمات الإرهابية خبراء ومتخصصون في التقنية يستخدمون الفيسبوك وتويتر واليوتيوب بكل فاعلية لتحقيق مآربهم، وأصبحوا يتقدمون على تلك الدول، والدليل نجاح بعض تلك المنظمات في تحقيق بعض أهدافها على أرض الواقع بجذب الشباب إليها، وكذلك تنفيذ أعمال إرهابية هنا وهناك وكل ذلك على مرأى ومسمع جميع دول العالم، هنا ما يهمنا هو شبابنا، كيف يتم جذبهم لتلك المنظمات؟ وكيف يتم إقناعهم؟ وبعبارة أخرى ما هي اللحظة الحرجة التي يتم فيها تحول الشاب إلى القناعة وتبني أفكار المنظمات التي يجذب إليها والتضحية بنفسه من أجل تحقيق أهداف تلك المنظمات؟ هذا هو السؤال الكبير، لا بد من الإجابة عنه بشكل علمي، وقلت في مقال سابق إن ما نفعله من اجتهادات ضمن اجتماعات نعقدها أو حتى ضمن دراسات نعدها بطريقة "القمة إلى القاعدة" Top down ثم نسقط نتائج هذه الدراسات على المشكلات التي نعالجها لا يفيدنا في حل المشكلة. ولا بد إذا أردنا التعرف على "اللحظة الحرجة" في حياة الشاب أن نتبنى أسلوب "القاعدة إلى القمة" Bottom Up. هنا، وهنا فقط نستطيع أن نعرف اللحظة الحرجة في حياة الشاب، والذي عقّد الأمور بشكل كبير هو أن الشباب بدؤوا يحيطون أنفسهم بمستوى عال من السرية حتى إن أهالي الشباب الذين يلتحقون بالمنظمات الإرهابية لا يعرفون حقيقة أبنائهم إلا بعد سفرهم والتحاقهم فعلا بتلك المنظمات. هذه كارثة لا ندري إلى متى نستمر في المعاناة منها، لعل بعضنا - أقول لعل ولا أؤكد - قد تحدث إلى بعض الشباب وأخفى كثيرا من فكره، ولم تتضح له أفكار أولئك الشباب إلا بعد انخراطهم فعلا في مجاهل تلك المنظمات، لعلي أختصر هذا المقال لأهميته القصوى وأذهب إلى خلاصة القول لألخص الأمر بالقول إننا: 1- لا نعرف اللحظة الحرجة التي يتم فيها تحول فكر الشاب وتلوثه. 2- ما نفعله بتبني مفهوم "القمة إلى القاعدة" وإسقاط ما نتوصل إليه من حلول لن يجدي، لأنه لا يمثل الواقع كله. 3- لا بد أن نتبنى أسلوب "القاعدة إلى القمة" إن أردنا الوصول إلى الحقيقة كاملة. هذا صعب، لكنه ليس مستحيلا. وهناك تفصيل موسع. اللهم أدم على بلادنا وبلاد المسلمين الأمن والأمان.
مشاركة :