في جنبات المؤتمر العالمي "الإسلام ومحاربة الإرهاب" الذي ختمت فعالياته في مكة المكرمة، حضر الرجل النبيل عبدالرحمن سوار الذهب، وهو العسكري العتيد الذي بلغ رتبة مشير في بلاده. كان هذا الرجل يمثل العسكري الصلب، وهو ما ارتبط في مخيلتنا كعرب، لكن بشكل مختلف عن تلك الشخصيات التي فرضت القهر على شعوبها، الشخصيات المستبدة، تلك التي أفقرت شعوبها، وجعلت من صوت "بساطر العسكر" الألم والخوف اللذين يلاحقانها. نشير إلى هذا ونحن نشكر الله ونثني عليه أننا في خليجنا لم نعرف تلك الشخصيات العسكرية المستبدة، لتكون رؤية سوار الذهب مختلفة عن أي رؤية أخرى، فهي تثير الارتياح وتُذكر بالنبل والشهامة. تجربة هذا الرجل سجلت كوضع مختلف جدا على مستويات عالمية، كأول تجربة يقوم فيها عسكري بعد أن تمكن من السلطة وقبض عليها، مع كل ما يتعلق بأمور الحكم في البلاد، عقب انقلاب عسكري قام به على سارق للسلطة، إلا أنه التزم بأخلاق الفضلاء وعبر تعهدات قطعها على نفسه بإعادة السلطة إلى الشعب، عبر القوى المدنية التي تمثله، ويقبل طواعية فكرة التنحي عن الحكم، ليخلع البزة العسكرية، ومن ثم الانتقال إلى فضاء المجتمع المدني. أما لماذا فعل ذلك؟ فلأن عبدالرحمن سوار الذهب رجل مسلم عربي سوداني، تجذر فيه الإخلاص لوطنه، وحينما رأى منكرا غيره بسلاحه، ولأنه من طينة الشرفاء الذين منّ الله عليهم بحسن الظن والتصديق بأن الأغلبية هم الصادقون وقلة قليلة هم الكاذبون، فقد ركل النميري من على كرسي الرئاسة ركلة سوداني مخلص، قفزت بالرئيس الذي تدخل حتى في نتائج كرة القدم إلى منفاه. وبكل رجولة أعطى الشعب فرصة لم يقم بها أحد عسكري متمكن قبله في أن يختار رئيسه وحكومته. نقول إن السودان البلد الثري بطيب أرضه وحسن محصولها، قد أفقره العسكر وعاثوا به فسادا، وما الحل إلا اختيار الشعب لقادته كي يعيده إلى الازدهار، فاختار الشعب ممثليه ليتنحى النزيه سوار الذهب بعدما أوفى بوعده. ولكن بعد مهمته العظيمة، بدأ التناحر والاختلاف وكل يكيد للآخر. حتى خرج من رحم الديكتاتورية عسكري جديد على خطى النميري قذف بالجميع وقال لهم: "أنا رئيسكم الأعلى"؟! ويا خيبة النبيل سوار الذهب وهو يضرب كفا بكف على عمل عظيم قام به. ولا حول ولا قوة إلا بالله. ولا مناص الآن لهذا النبيل بعد الخدعة الكبرى من السياسيين وبعدهم العسكر، من اللجوء إلى بيت الله الحرام داعيا ومحاربا لكل ما هو ضد السلام والإنسانية. كم سوار ذهب يحتاجه السودان ليستقيم أموره. الأكيد بعد خذلان الأخير لن يقدم أحد على ذلك، ولنا في الربيع العربي أو "الحمار العربي"، أجلّكم الله، مثلا بعد أن بكى العرب على كل فصولهم، حين تيقنوا أن من بعض من رفعوا شعار الربيع ليسوا سوى حفنة من سارقي الحكومات. أعان الله سوار الذهب، وندعوا له بطول العمر، وإن كنّا نجزم أنه تمنى الموت بعد خداع سارقي الحكم. أطال الله في عمرك. يا آخر الرؤساء العسكر العظماء.
مشاركة :