لا داعي للتذكير مرة أخرى، بأن حراك الجزائريين الشعبي والاستثنائي كان سلمياً وحضارياً إلى أبعد الحدود، لقد أصبح هذا الأمر اليوم شيئاً عادياً عند الجزائري، يشهد الحراك حالياً مشاهد غير مسبوقة لن تراها حتى في الدول الديمقراطية. فيمكنك اليوم أن تحتسي كوباً من القهوة في طمأنينة في ساحة "أودان" أو" أمام البريد المركزي" وأنت في وسط مظاهرات عارمة تطالب بتغيير النظام، أو تتفرغ لرسم لوحة فنية للمظاهرات بكل أريحية ولن يزعجك أحد.. على أي حال لن نتكلم عن مدى استثنائية مظاهرات الجزائريين، بل يجب أن نجيب عن أبرز وأخطر سؤال مطروح حالياً في الساحة السياسية الجزائرية: إلى ماذا يحتاج هذا الحراك ليجابه النظام بصفة أكثر رسمية و مؤسساتية؟ من أين يبدأ العمل؟ أبرز ما يتداوله الجزائريون اليوم، عبر حزبي "تويتر" و"الفيسبوك" كما وصفهما عالم الاجتماع الجزائري ناصر جابي، هو فكرة تعيين ممثلين للحراك، وأكثر الأسماء المتداولة حالياً، هي : الحقوقي والمحامي مصطفى بوشاشي، رئيس الحكومة السابق أحمد بن بيتور، كريم طابو الناطق باسم الاتحاد الديمقراطي والاجتماعي. لن أناقش من تكون هذه الشخصيات وهل تستحق قيادة الحراك، ولكن هل حصر الحراك في شخص أو شخصين أو عشر أشخاص هو الحل لمقارعة النظام؟ والسؤال الأهم هل الهدف هو الوقوف ضد السلطة وفرض موازين القوة لصالح الجزائريين، أم تفويض هذه المجموعة للتحدث فقط باسم الحراك؟ إن كان الهدف التحدث باسم الحراك، فأعتقد أن الحراك الشعبي قد أظهر وعياً سياسياً لافتاً، الشعب الجزائري نفسه أصبح يفهم السياسة أكثر من أي وقت مضى، فهو لم يعد قاصراً لكي نُنَصب عليه مجموعة أشخاص تتحدث باسمه و توصل للنظام أفكاره، ونحن نعلم أن الشعارات التي رفعها الجزائريون في مظاهراتهم، تحمل رسائل واضحة لاذعة للسلطة، إذن في رأيي القضية ليست في تمثيل الحراك، بل في كيفية تحويله من طاقة خام كما وصفه رئيس حزب جيل جديد "سفيان جيلالي" إلى مؤسسات للمرحلة الانتقالية، ثم الدخول في مرحلة عادية.أقوال جاهزة شاركغردلا داعي للتذكير مرة أخرى، بأن حراك الجزائريين الشعبي والاستثنائي كان سلمياً وحضارياً إلى أبعد الحدود..لكن إلى ماذا يحتاج الحراك الشعبي في الجزائر الآن؟ شاركغردلن نتكلم عن مدى استثنائية مظاهرات الجزائريين، بل يجب أن نجيب عن أبرز وأخطر سؤال مطروح حالياً في الساحة السياسية الجزائرية: إلى ماذا يحتاج هذا الحراك ليجابه النظام بصفة أكثر رسمية و مؤسساتية؟ لكي نفهم أكثر الفكرة، ما علينا إلا قراءة تاريخ الثورة الجزائرية، التي قادتها "جبهة التحرير الوطني" المعروف بـ(الأفالان). وبطبيعة الحال، لا مجال للمقارنة بين الأفالان الحالي والأفالان التاريخي الذي كان يضم كوادر ونخبة مثقفة بأتم معنى الكلمة. كان الأفالان التاريخي عبارة عن جبهة ضمّت الكثير من الشخصيات السياسية الواعية من كل الأطراف المتصارعة إيديولجيًا؛ ( ليبراليين، شيوعيين، اصلاحيين..) كل فئات المجتمع ممثلة فيه فالهدف هو؛ تحرير الأرض والإنسان، فما هو وجه الشبه مع الحراك الحالي؟ إن الحراك الحالي مكوّن من العديد من شرائح المجتمع (طلاب، أساتذة، عمّال، بطّالين...)، وهي شرائح بحاجة إلى تمثيل، والحل إذن هو جبهة شعبية تضم كل هذه الشرائح، وهكذا يكون للجميع من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار مهما كان وضعه الطبقي في المجتمع دور في المشاركة في السلطة، وهذه الجبهة الشعبية الواسعة، ستكون مكوّنة من لجان شعبية تمثل هذه الشرائح، ولقد أخذ طلبة جامعة الجزائر "2" زمام المبادرة وشكّلوا لجنة سمّوها "اللجنة المستقلة المؤقتة" التي ستكون بمثابة الناطق الرسمي لهؤلاء الطلبة، فلماذا لا ندعم الفكرة؟ ونقوم بتشكيل لجان لكل جامعات الجزائر ثم نجمعها في لجنة وطنية موحدة وهكذا سنكون قد قمنا بتأطير الطلبة، وستصبح هذه اللجنة الوطنية منتجة للأفكار والنخب، ثم نضمن تمثيل كل الطلبة لنقوم بتعميم هذه الفكرة على بقية شرائح المجتمع الأخرى. وقد يسأل القارئ كيف يتم تسيير هذه اللجان الشعبية؟ وأعود دائماً للتذكير بمثال الأفالان التاريخي.. إن هذا الأخير عندما جمع كل التيارات السياسية المتصارعة فيما بينها حول هدف واحد وهو تحرير الأرض والإنسان، فهو كان يعتمد أسلوباً في التسيير يسمح بالإدارة الجماعية والذي جنّبه أي صراعات داخلية حول قيادة الحزب، إنه نظام التسيير اللامركزي. اللامركزية؛ هي نقل كل السلطات من الحكومة، إلى مؤسسات أدنى (مجالس البلدية مثلاً) وهي منتخبة شعبياً.. لا تتدخل فيها الحكومة أبداً، النظام الجزائري بالمناسبة منذ الاستقلال، وهو يكرّس التسيير المركزي، الذي يحصر كل شيء في السلطة التنفيذية وبالضبط في رئيس الجمهورية. وعليه لكي نتفادى خطر انقسام الحراك أليس حريّا بنا الخروج من عقلية الزعامات والشخصيات التي دمرت شبّان بلدنا وأشاعت قيم الوصاية والأبوية في مجتمعنا، إلى مستوى تفكير الشعوب الحديثة التي أقامت دولها على مؤسسات لا على أشخاص ولا على زعامات حنجرية وأحيانا مجرمة؟ أليس مصدر الانقسام هو الجدال حول من هو الأحق أو المجموعة التي يحق لها أن تتكلم بإسم الحراك؟ أليس حصر الحراك في شخصيات لا يضمن تمثيل كل من هو في الحراك بالأصل؟ اليس حصر الحراك في شخصيات قد يكون فرصة مواتية للنظام الجزائري لكي يخترق الحراك فيوظفه لصالحه أو يقوم بتفكيكه بإثارة النقاشات الأيديولوجية والهوياتية داخله؟ أليس الأمر الجدير بالإهتمام به حالياً هو إعداد (شبه مؤسسات) تنبثق من هذا الحراك تكرّس فعليا حكم الشعب، وسلطة المجتمع باختلاف أطيافه، ثم مع مرور الوقت تتحول إلى مؤسسات حقيقية لجزائر الغد؟ هذه التدوينة تعبر عن رأي أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي رصيف22. مولود مدي كاتب وباحث، مقيم في الجزائر. كلمات مفتاحية 22 فيفري الاحتجاجات الجزائرية الجزائر الحراك الجزائري بوتفل التعليقات
مشاركة :