سون هيونغ مين: الموهبة وحدها لا تصنع نجماً

  • 3/14/2019
  • 00:00
  • 13
  • 0
  • 0
news-picture

يتذكر نجم توتنهام هوتسبير، سون هيونغ مين، أنه عندما كان في العاشرة من عمره تشاجر مع شقيقه الأكبر، هيونغ يون، ثم حدث شيء أثر على مسيرته الرياضية حتى الآن. فقد كان والد النجم الكوري الجنوبي، سون وونغ جونغ، لاعبا لكرة القدم ووصل إلى مستوى جيد في كوريا الجنوبية، وقرر تدريب أطفاله على لعب كرة القدم وتعهد بأن يصل بهم إلى القمة ويساعدهم على تجنب المشكلات والعقبات التي واجهها هو شخصيا. وفي هذه المناسبة، يشير نجم توتنهام إلى أنه بدأ يشعر بغضب شديد.يقول سون: «لقد قرر والدي تدريبنا لمدة أربع ساعات على مهارة ركل الكرة في الهواء عن طريق القدم والركبة والصدر والكتف والرأس وعدم السماح لها بالسقوط على الأرض. لكن بعد نحو ثلاث ساعات، بدأت أرى الكرة الواحدة ثلاث كرات، وبدأت أرى الأرض حمراء اللون، وشعرت بتعب شديد. وكان والدي غاضبا للغاية. أعتقد أن هذه كانت أفضل قصة حدثت لنا، ولا نزال نتحدث عنها أنا وشقيقي عندما نجتمع سويا. هل يمكنك أن تظل أربع ساعات تركل الكرة من دون السماح لها بأن تسقط على الأرض؟ إنه أمر صعب للغاية، أليس كذلك؟».مهلا، هل حقا تمكن سون من ركل الكرة وعدم السماح لها بأن تسقط على الأرض لمدة أربع ساعات كاملة، وهو لا يزال في العاشرة من عمره؟ يقول النجم الكوري الجنوبي: «نعم، لم تسقط الكرة على الأرض ولا مرة واحدة طوال هذه المدة». في الحقيقة، تعكس هذه القصة كثيرا من الصفات الشخصية التي يتمتع بها سون، ومن بينها بالتأكيد الموهبة الفطرية التي يمتلكها. يقول سون: «ما إن استطعت أن أمشي وأنا طفل، حتى بدأت أركل الكرة». لكن الشيء الذي ساهم في تطور مستواه ووصوله إلى أن يصبح أفضل لاعب في آسيا هو استعداده لتنفيذ مطالب والده، فضلا عن التزامه وتركيزه بكل تأكيد.ويشير سون إلى حكاية أخرى عن والده وعقوبة «ركلة الكرة وعدم السماح لها بملامسة الأرض»، حيث يقول: «عندما كنت في العاشرة أو الثانية عشرة من عمري، جاء والدي لتدريب فريق كرة القدم بالمدرسة التي كنت ملتحقا بها، وكنا نحو 15 أو 20 لاعبا. وكنا نشارك في تدريب لركل الكرة وعدم السماح لها بالسقوط على الأرض لمدة 40 دقيقة. وعندما كان يُسقط أي منا الكرة على الأرض، لم يكن والدي يقول أي شيء. لكن عندما سقطت الكرة مني أنا على الأرض، طلب والدي منا أن نعيد التدريب من البداية مرة أخرى. وأدرك اللاعبون أن والدي قام بذلك نظرا لأنني نجله، وقد كان غاضبا في حقيقة الأمر. لكن عندما تنظر إلى الأمر الآن، تدرك أنه كان على صواب».ربما يجعلك هذا الأمر تتصور أن ما حدث قد أدى إلى توتر العلاقة بين سون ووالده، لكن الحقيقة عكس ذلك تماما، حيث يكن اللاعب الكوري الجنوبي كل التقدير والاحترام لوالده، ويقول عن ذلك: «كان لدينا مدير فني قاس للغاية، وكنا نخشاه أيضا». وفي الثقافة الكورية، ينظر إلى كلمات الأب على أنها قوانين يجب تنفيذها والالتزام بها، وبالتالي التزم سون بتعليمات والده تماما. يقول نجم توتنهام: «لقد كان والدي يفكر في الأشياء التي أحتاج إليها طوال الوقت. وقد فعل كل شيء من أجلي، وربما لم أكن لأصل إلى ما وصلت إليه الآن لولا ما قام به. أي لاعب يحتاج إلى المساعدة، كما يحتاج إلى مدير فني عظيم وإلى بعض الحظ. ولحسن الحظ، فقد توفرت لدي كل هذه المقومات معا».وقد مر سون بتسعة أشهر صعبة للغاية مع انطلاق بطولة كأس العالم 2018 بروسيا، بعدما خرج منتخب بلاده من نهائيات المونديال عقب الخسارة في دور المجموعات أمام كل من السويد والمكسيك، رغم الفوز في المباراة الختامية لهذا الدور على منتخب ألمانيا. وعقب الهزيمة أمام المكسيك، أجهش اللاعب البالغ من العمر 26 عاما بالبكاء عندما قام الرئيس الكوري الجنوبي، مون جاي - إن، بزيارة معسكر الفريق. وقد فاز سون ببطولة دورة الألعاب الآسيوية، عندما شارك بصفته لاعبا فوق السن مع منتخب بلاده تحت 23 عاما، في بداية هذا الموسم، وهو الأمر الذي أدى إلى إعفائه من الخدمة العسكرية الإلزامية في بلاده لمدة 21 شهرا. لكن في يناير (كانون الثاني) الماضي، خرج منتخب كوريا الجنوبية بشكل غير متوقع من دور الثمانية في كأس الأمم الآسيوية التي احتضنتها قطر.وقد زادت فرص مشاركة سون في التشكيلة الأساسية لنادي توتنهام منذ أن قرر المدير الفني الأرجنتيني ماوريسيو بوكيتينو استدعاءه خلال فترة التوقف الدولية في منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) للمشاركة في تدريبات النادي. وكان بوكيتينو يخشى من أن يتعرض اللاعب لمشكلات نفسية وذهنية في ذلك الوقت. ومنذ ذلك الحين، سجل سون 14 هدفا في 23 مباراة مع توتنهام، ليرفع رصيد أهدافه خلال الموسم الحالي إلى 16 هدفا. وساهم اللاعب الكوري الجنوبي بشكل كبير في صعود فريقه إلى المربع الذهبي في الدوري الإنجليزي الممتاز، والوصول إلى دور الثمانية لدوري أبطال أوروبا.وأشارت إحدى الإحصائيات التي أعلنت عنها شركة «أوبتا» للإحصائيات الرياضية إلى أن سون سجل أهدفا من 19.3 في المائة من تسديداته على المرمى في الدوري الإنجليزي الممتاز هذا الموسم، وهو الأمر الذي يجعله مرشحا بقوة للمنافسة على لقب أفضل لاعب في الدوري الإنجليزي الممتاز هذا الموسم. يقول سون: «لقد كان منتصف نوفمبر نقطة تحول كبرى، بنسبة مائة في المائة، بالنسبة لي. لقد كنت أسافر كثيرا، ولم أكن أشعر بأنني على ما يرام، وكان ذهني مشغولا بكثير من الأشياء، وكانت الأمور صعبة بعض الشيء. واتخذ المدير الفني قراره، وكان مثاليا بالنسبة لي، وكان هذا القرار يتمثل في التدريب بكل قوة مع توتنهام ثم الحصول على أكبر قدر ممكن من الراحة. وكما قلت سابقا، سوف تكون محظوظا للغاية لو قابلت مديرا فنيا عظيما، وهذا ما حدث معي بالفعل، حيث تطور مستواي بشكل ملحوظ تحت قيادة بوكيتينيو».ويرى جمهور توتنهام وكثير من النقاد أن السلام النفسي الذي يتميز به سون كان أحد أهم الأسباب التي ساعدت على تطور مستواه بهذا الشكل، فضلا عن امتلاكه لقدر هائل من الطاقة والإيجابية والحيوية، وبكل تأكيد الابتسامة التي لا تفارق وجهه. ورغم أن سون يمتلك ثقة لا حدود لها في قدراته وإمكانياته، فإنه يتحلى بالتواضع الشديد، وهو الأمر الذي نادرا ما تراه في لاعب بهذه الموهبة الكبيرة.يقول اللاعب الكوري الجنوبي: «لقد أخبرني والدي عندما كنت صغيرا بأنه لو كنت في طريقي نحو المرمى ورأيت أحد لاعبي الفريق المنافس ساقطا على الأرض بسبب الإصابة، فيتعين علي أن ألعب الكرة خارج الملعب وأذهب لأطمئن عليه. لأنه إذا كنت لاعبا جيدا ولا تحترم الآخرين، فأنت لا تساوي شيئا. ولا يزال والدي يخبرني بهذا الأمر حتى الآن. في بعض الأحيان يكون هذا الأمر صعبا، لكننا بشر قبل أن نكون لاعبي كرة قدم، وبالتالي يتعين علينا أن نحترم بعضنا، سواء داخل الملعب أو خارجه».ويعيش سون مع والديه في شقة مكونة من ثلاث غرف في ضاحية هامبستيد. ورغم أنه حصل وجميع لاعبي توتنهام على إجازة من التدريبات يوم الخميس الماضي، فإنه لم يلغ الزيارة المقررة لمدرسة فالي في توتنهام ورؤية ملعب «وايت هارت لين» الجديد للنادي. وقد وصل سون إلى المكان قبل عشر دقائق من الموعد المحدد، وهو أمر نادرا ما تراه مع نجوم كرة القدم في الوقت الحالي. وهو في طريقه إلى المدرسة، قال النجم الكوري الجنوبي لنائب مدير المدرسة إنه يتمنى أن يتعرف الطلاب عليه، وهو الأمر الذي يعكس التواضع الشديد من جانب نجم توتنهام.وغالبا ما يشار إلى سون على أنه «ديفيد بيكهام آسيا»، وذلك بسبب شعبيته الطاغية التي تتخطى حدود كرة القدم. وقد استقبل سون بحفاوة شديدة وكأنه أحد نجوم موسيقى الروك العالميين عندما هبط في أحد المطارات في كوريا الجنوبية، كما لا يمكنه أن يمشي في شوارع بلده بسبب المعجبين. والآن، يمكنك أن تشاهد بين جمهور توتنهام المئات من الجمهور الكوري الجنوبي، ويتكرر الأمر نفسه حتى خارج ملعب التدريب في معظم الأيام.وتعامل سون بشكل طبيعي للغاية مع الفتيات اللاتي يعانين من إعاقات في المدرسة، وكان من الممتع أن ترى ردود فعلهن عندما رأينه في حصة التدريب التي أعدتها مؤسسة توتنهام هوتسبير. وقد كان هناك العشرات من الفتيات اللاتي يقبلنه ويصافحنه، بل ويحتلفن بطريقته المميزة عند إحراز الأهداف. وضحك سون بصوت مرتفع عند تذكيره بنصيحة والده له بأن يؤجل الزواج حتى يعتزل كرة القدم. وقد ارتبط سون في أوقات سابقة بعلاقات صداقة مع نجمتي البوب الكوريتين بانغ مين – آه، ويو سو - يونغ، لكنه غير مرتبط حاليا.يقول سون: «لقد قال والدي ذلك، وأنا متفق معه. عندما تتزوج فإن أهم شيء بالنسبة لك يكون عائلتك وزوجتك وأطفالك، ثم تأتي كرة القدم في المرتبة الثانية. إنني أريد أن أتأكد تماما من أن كرة القدم تأتي في مقدمة أولوياتي وأنا ألعب في أعلى المستويات. أنت لا تعرف المدة التي ستلعب خلالها كرة القدم في أعلى مستوى. وعندما تعتزل كرة القدم، أو عندما تكون في الثالثة والثلاثين أو الرابعة والثلاثين من عمرك، فسيكون أمامك حياة طويلة لعائلتك».ويتفق سون على أن معظم المديرين الفنيين في أوروبا يفضلون أن يتزوج اللاعب ويستقر، ويقول عن ذلك: «نعم، لأن هناك كثيرا من الأشياء التي يمكن أن تقوم بها خارج الملعب، وتسبب في الوقت نفسه أضرارا، لكنني لست من نوعية اللاعبين الذين يحبون القيام بمثل هذه الأشياء». ويضيف: «إنني لا أريد سوى أن أجعل الجميع يشعرون بالسعادة عن طريق مواصلة اللعب في أعلى المستويات. فعلى سبيل المثال، عندما ألعب مع توتنهام على ملعب ويمبلي، كم عدد أعلام كوريا الجنوبية التي يمكنك أن تراها في المدرجات؟ إنني أريد أن أواصل اللعب في أعلى المستويات لأطول فترة ممكنة، حتى يمكنني أن أرد الدين إليهم. وهذا أمر مهم للغاية بالنسبة لي».ويتابع: «إنني أشعر بأنني سفير لبلدي، وهو الدور الذي يتعين علي أن أقوم به على أكمل وجه. وهناك مثال آخر، فعندما نلعب الساعة الثالثة مساء، فإن هذا التوقيت يتزامن مع منتصف الليل في كوريا الجنوبية. وعندما نلعب في دوري أبطال أوروبا الساعة الثامنة مساء، تكون الساعة في كوريا الجنوبية الخامسة صباحا، لكن الجمهور ينتظر خلال هذه الأوقات المتأخرة من الليل لمتابعة المباريات. وبالتالي، يتعين علي أن أرد الدين لهم، وأن أكون على قدر المسؤولية».ويطبق سون الأمر على عائلته أيضا، ويقول: «الأمور تختلف في أوروبا عنها في آسيا، فقد يتساءل البعض في أوروبا عن الأسباب التي تجعلني أعيش مع عائلتي حتى الآن. لكن من الذي يهتم بي؟ ومن الذي يساعدني على ممارسة كرة القدم؟ إنها عائلتي، التي أمدتني بالحياة وجاءت إلى هنا من أجل مساعدتي، وبالتالي يتعين علي أن أرد إليهم الجميل». ويضيف: «إنني ممتن لهم تماما، وأحاول أن أستغل أي فرصة لرد الدين. أعرف أن ممارسة كرة القدم على المستوى الاحترافي يتطلب مقومات أخرى غير الموهبة، وخير مثال على ذلك مثلي الأعلى كريستيانو رونالدو، الذي يعمل بشكل أكبر بكثير من الموهبة التي يمتلكها. إنني أرى كثيرا من اللاعبين الذين لا يتمتعون بهذه العقلية ويعتقدون أن الموهبة وحدها تكفي، لكن هذا غير صحيح».ودائما ما يثبت سون أنه قادر على مواجهة التحديات والصعوبات والعمل بكل قوة، فحتى عندما تم تصعيده للمشاركة مع الفريق الأول بنادي هامبورغ الألماني وهو في الثامنة عشرة من عمره، كان والده يزوره بشكل دائم من كوريا الجنوبية ويساعده على القيام بتدريبات إضافية من أجل تطوير وتحسين مستواه. وكان هناك كثير من اللحظات الرائعة خلال مسيرة سون الكروية، من بينها بالتأكيد قيادة منتخب بلاده للفوز بدورة الألعاب الآسيوية الأخيرة.وربما شعر كثيرون في كوريا الجنوبية بالسعادة بسبب حصول سون على إعفاء من الخدمة العسكرية أكثر من سعادتهم بالحصول على البطولة نفسها، وهو الأمر الذي يعكس حب الشعب الكوري الجنوبي لنجم توتنهام. يقول سون: «لقد كانت بطولة مهمة للغاية - ليس بسببي - وشعرت بسعادة غامرة بسبب الفوز بها مع منتخب بلادي، وأنا فخور بزملائي. وكما قلت من قبل، لم يكن هدفي هو الحصول على إعفاء من الخدمة العسكرية، لكن هدفي بكل بساطة هو أن أكون لاعب كرة قدم عظيما طوال الوقت».

مشاركة :