الجزائر - قال وزير جزائري سابق على صلة بالمقربين من الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، إن الرئيس قد لا يصمد طويلا نظرا لتزايد الضغوط عليه من كافة الطبقات الاجتماعية في البلاد، فيما بدا أنه (بوتفليقة) بدأ بالفعل وبوتيرة متسارعة، يفقد حلفاءه حتى من قبل حزبه جبهة التحرير الوطني. وشهدت الجزائر اليوم الجمعة أكبر الاحتجاجات على الإطلاق منذ تفجر الحراك الشعبي في 22 فبراير/شباط رفضا لترشح الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة لولاية رئاسية خامسة والذي استمر لاحقا رفضا لتمديد الولاية الرابعة بعد أن قرر بوتفليقة تأجيل الانتخابات الرئاسية. وعكس حجم المشاركة في احتجاجات الجمعة الرفض الواسع والقاطع لاستمرار بوتفليقة ونظامه في الحكم، في رسالة شكّلت ضربة لجهود السلطة احتواء الحراك الشعبي واسترضائه بتعهدات اعتبرها المحتجون تلاعبا واحتيالا مرفوضا. وبدأ بوتفليقة يفقد حلفاءه بوتيرة متسارعة في الأيام القليلة الماضية بعد عودته من رحلة علاج في سويسرا. وشارك مئات الآلاف من المتظاهرين في وسط العاصمة الجزائر اليوم الجمعة في أكبر الاحتجاجات ضد حكم الرئيس بوتفليقة منذ بدايتها الشهر الماضي. واحتشد المحتجون في شوارع وميادين العاصمة بعد صلاة الجمعة ولف الكثير منهم العلم الجزائري على ملابسهم. كما شهدت مدن أخرى مظاهرات من بينها بجاية ووهران وباتنة وتيزي وزو. وكان لافتا خلال احتجاجات بجاية صورة لشرطي وسط الحشود يرفع لافتة كتب عليها وأظهرت صورة تم تداولها على نطاق واسع عبر وسائل التواصل الاجتماعي رجلا يرتدي الزي الرسمي للشرطة الجزائرية وسط المتظاهرين بمحافظة بجاية شرقي الجزائر، رافعا لافتة مكتوب عليها "أنا مع صوت الشعب، لا تأجيل، لا تمديد، نريد رحيل النظام. الشرطة، الدرك، الجيش، أبناء الشعب خاوة خاوة (اخوة)، سلمية، تحيا الجزائر". وقال الطالب يزيد عماري (23 عاما) "يتعين على بوتفليقة ورجاله الرحيل في أقرب وقت ممكن". وقدّر صحفيون أعداد الحشود بمئات الآلاف، لكن لم تصدر تقديرات لها من الشرطة. وتراجعت الأعداد إلى الآلاف قبل حلول الظلام ولم ترد بلاغات عن وقوع اشتباكات. لكن تقارير متطابقة أكدت أن الشرطة فرّقت بالقوة مسيرة كانت في طريقها لقصر الرئاسة. وتراجع بوتفليقة عن قراره الترشح لولاية جديدة يوم الاثنين الماضي بعد احتجاجات شعبية ضده، لكنه لم يعلن تنحيه على الفور، إذ يعتزم البقاء في السلطة لحين صياغة دستور جديد وتأمين مرحلة انتقالية. ورفض الجزائريون بسرعة هذا العرض وطالبوا الرئيس البالغ من العمر 82 عاما بالتنحي وتسليم السلطة لجيل شباب القادة ممن سيتمكنون من إتاحة وظائف والقضاء على الفساد. وقال طبيب يدعى ماجد بن زيده (37 عاما) "من يعتقد أننا تعبنا مخطئ. احتجاجاتنا مستمرة"، فيما أغلقت الشرطة الطرق المؤدية لمقر الحكومة والبرلمان. وبدأ بوتفليقة يفقد حلفاءه بوتيرة متسارعة في الأيام القليلة الماضية بعد عودته من رحلة علاج في سويسرا. وقال قيادي بارز في الحزب الحاكم خلال مقابلة مساء أمس الخميس إن بوتفليقة أصبح "تاريخا الآن". وتعد التصريحات التي أدلى بها حسين خلدون لقناة النهار التلفزيونية الليلة الماضية ضربة جديدة لبوتفليقة الذي كان يأمل في تهدئة الجزائريين بالتعهد باتخاذ خطوات لتغيير الساحة السياسية التي يهيمن عليه هو والمقربون منه منذ عقود. وأصبح خلدون وهو متحدث سابق باسم الحزب الحاكم، أحد أهم المسؤولين في الحزب الذي أعلن انشقاقه عن بوتفليقة. وقال إنه يتعين على الحزب أن يتطلع إلى المستقبل وأن يدعم أهداف المحتجين. وقال وزير سابق على صلة بالمقربين من بوتفليقة، إن الرئيس قد لا يصمد نظرا لتزايد الضغوط عليه من كافة الطبقات الاجتماعية في الجزائر. وقال الوزير السابق الذي طلب عدم ذكر اسمه إن اللعبة انتهت وإن بوتفليقة لا يملك خيارا سوى التنحي الآن. واصطحب بعض الآباء أطفالهم وقال محمد كيميمي وهو في العاشرة من عمره ووضع علم البلاد على كتفيه "أريد مستقبلا أفضل". ودعا أحد أبرز رجال الدين في الجزائر إلى التحلي بالصبر. وقال محمد عبدالقادر حيدر في أحد مساجد العاصمة "دعونا نتفاءل. تحتاج الجزائر لتخطي أزمتها". والجزائر منتج كبير للنفط والغاز. ولم تتأثر حتى الآن الصادرات بتلك الاضطرابات. وقال مصدر في شركة سوناطراك الجزائرية الحكومية للطاقة، إن الاحتجاجات لم تؤثر على أكبر حقل نفطي وهو حاسي مسعود وحقل حاسي الرمل للغاز. ويقول الكثير من الجزائريين، إن الرئيس وشخصيات أخرى من قدامى المحاربين في حرب الاستقلال ضد فرنسا بين عامي 1954 و1962 أهملوهم لعشرات السنين. وبقي الجيش الذي عادة ما يلعب دورا سياسيا من وراء الكواليس، بمنأى عن بوتفليقة وظل في ثكناته خلال الأزمة. ومن المتوقع أن يحتفظ الجيش بنفوذ قوي في كل السيناريوهات المحتملة. وتجنبت الجزائر إلى حد كبير الاضطرابات التي صاحبت انتفاضات الربيع العربي في 2011 التي أطاحت بزعماء عرب آخرين في الشرق الأوسط. وتمكن بوتفليقة وحلفاؤه من تجنب وقوع اضطرابات كبرى وقتها إذ كان لدى الحكومة ما يكفي من السيولة من عائدات النفط لاحتواء الإحباط إذ مكنتها من تقديم قروض بفائدة منخفضة وشراء السلم الاجتماعي. وينسب جزائريون من الجيل الأكبر سنّا لبوتفليقة الفضل في إنهاء الحرب الأهلية بين قوات الأمن والإسلاميين في تسعينات القرن الماضي (العشرية السوداء) وتحمل الكثير من الجزائريين حكما قمعيا لفترة طويلة كثمن للحفاظ على الاستقرار. لكن الجماهير فقدت صبرها في ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية وفشل الحزب الحاكم في نقل السلطة لجيل جديد على الرغم من تدهور الحالة الصحية للرئيس الذي أصيب بجلطة دماغية في 2013 أبعدته تقريبا عن الحكم والظهور علانية لشعبه.
مشاركة :