علي العوادي الصمت خصلة حميدة لا يملكها إلا ذوي العقول الراجحة الذين ينزهون أنفسهم وألسنتهم عن سفاسف الكلم ، وان اتصف (الصامتون) بحسن الخُلُق والحكمة والأناة فلا يعني هذا بالضرورة السكوت المطبق ، فالإنسان خُلِق بقلب نابض بالمشاعر والأحاسيس ، ولسان ناطق يترجم تلك الخلجات المكنونة في جوانحه كلمات يفقهها الآخرون من بني جنسه ، لتبنى الأواصر الاجتماعية والعلاقات الإنسانية التي تكون أساسا لاستمرار الحياة البشرية على وجه الخليقة ، لا خلاف على أن (الصمت حكمة بليغة ) ، وان الأغلبية تفهم المعنى الحقيقي لتلك الحكمة وزمكانيتها ، فلكل مقام مقال ، إلا أن البعض - وللأسف - اتخذوا من تلك الحكمة شعارا، لا ليقال عنهم حكماء وصالحون ، بل لنيل مصالح دنيوية قد تكون ضيقة لا تتعدى نطاق أنفسهم وعوائلهم ، ولا تشمل حتى جارهم الجنب ! ، فتراهم وكأنهم صم بكم عمي لا يفقهون أمام مسائل عامة قد تعم فائدتها الجميع ، وحقوق واضحة كوضوح الشمس في رابعة النهار لأناس مستضعفين ، فيضربون بأساسيات عقائدهم الدينية والعرفية عرض الحائط ، آملين أن يكون لهم بذلك الصمت المريب حضوه لدى أصحاب الأموال والجاه والسلطة ، وكأن لسان حالهم يقول اشهدوا لي عند الأمير! ، وهنا لا يسمى الصمت (حكمة) - لدى أولئك المحايدين - بل نقمة و تخاذل ومحاولة استئثار بنعمٍ - حتى لو كانت ضئيلة - قبل أن تمتد أيدي الآخرين المستحقين إليها ... وآخرون لا يلتزمون بمبدأ الحياد هذا حتى وان كان سلبيا ، بل يطلقون لألسنتهم العنان في كل شاردة وواردة ، في السيارة ، في الشارع، في مكان العمل ، يثرثرون حتى مع أنفسهم ! ، لا يكترثون إن كان كلامهم غث أو سمين ، في الحق هو أو في الباطل ، متناسين محاسن مآثرنا البلاغية الخالدة ، فلا يأخذون منها إلا ما يعتقدون انه يحسن صورهم التي سرعان ما ترجع إلى أصلها المشوه مع أول كلمة يكسرون بها صمتهم ، (فالمرء مخبوء تحت طي لسانه )، فلتكن لنا أسوة حسنة بمن تمنى أن تكون رقبته كرقبة البعير لكي لا تخرج الكلمة حتى يمحصها ، (فالصمت) لدى سيد البلغاء والمتكلمين علي بن أبي طالب عليه السلام : (إجابة بارعة لا يتقنها الكثيرون)، فان اتقنا تلك الإجابة فسنقول خيرا أو نصمت ، و (لا نبع هيبة الصمت برخيص الكلام ) بأي ثمن كان .
مشاركة :