منذ عام 2007، عام استيلاء حركة (حماس) على قطاع غزة بعد تنفيذها انقلابا عسكريا على السلطة الوطنية الفلسطينية وبسط سيطرتها الكاملة على أجهزة السلطة الحكومية، ما انفكت «إسرائيل» عن العمل على جعل هذا الانقلاب بداية النهاية لأي شكل من أشكال التضامن الوطني الفلسطيني. «إسرائيل» تعمل على هذا الهدف باعتبار أن الانقسام الفلسطيني يمثل الهدية التي لا تقدر بثمن بالنسبة إلى سلطات الاحتلال، لهذا نجد «إسرائيل» تلجأ إلى مختلف الوسائل والأساليب للسيطرة على الوضع الشاذ القائم في قطاع غزة ومنع تغييره؛ أي عودة السلطة الوطنية الفلسطينية إلى ممارسة دورها في القطاع وإنهاء حالة الانقسام التي أحدثها انقلاب حركة (حماس)، تفعل تل أبيب ذلك ليس عطفا على أهالي القطاع ولكن خوفا من رأب الصدع وتحقيق المصالحة الفلسطينية. ما ارتكبته «إسرائيل» من جرائم ضد أبناء غزة ليس مخفيا عن أعين جميع دول العالم ومنظماته الرسمية والمستقلة المختلفة، فلجان التحقيق التي شهدت على جرائم «إسرائيل» ضد أهالي القطاع لا تحصى ولا تعد، كما أن «إسرائيل» لم تتوقف عن استهداف البنى العسكرية لفصائل المقاومة الوطنية والإسلامية الفلسطينية المتمركزة في القطاع، بما في ذلك حركة (حماس) كونها رأس حربة أقوى هذه الفصائل من الناحية العسكرية، كما فرضت حصارا خانقا على أهالي القطاع تسبب في إحداث أزمة معيشية واقتصادية خانقة، ومع كل هذه الجرائم فإن «إسرائيل» نجحت حتى الآن في إفشال، أو لنقل تعطيل جميع جهود المصالحة وساعدها في ذلك سلبية (حماس) وبعض حلفائها الإقليميين الذين تعاملوا بوعي أو من دون مع الخبث «الإسرائيلي». في الآونة الأخيرة، واستغلالا للوضع الاقتصادي والمعيشي الذي يعيشه سكان قطاع غزة بفعل جريمة الحصار «الإسرائيلي» على القطاع المستمرة منذ عدة سنوات، تحركت دولة قطر سياسيا، من أجل إيصال مساعدات مالية إلى القطاع، ومثل هذه المساعدات لا تمر إلا من خلال الموافقة «الإسرائيلية»، وهنا لم يتردد رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو في الموافقة على تمرير هذه المساعدات المالية إلى القطاع؛ أي إلى حركة (حماس) التي تحكم وتدير غزة منذ ما يقارب الاثني عشر عاما. خطوة المساعدات هذه والموافقة أثارت حفيظة بل ورفض السلطة الوطنية الفلسطينية لأن أهدافها خبيثة ولا تمت بأي صلة إلى الأوضاع الإنسانية. تعرف «إسرائيل» جيدا وهي التي تتحكم في منافذ دخول الهواء والماء وغيرهما على سكان القطاع، أن المساعدات المالية القطرية لن تزيد من قوة (حماس) ولن تجعلها قادرة على تحدي القوى «الإسرائيلية» بأي شكل من الأشكال، لكنها، أي «إسرائيل» متأكدة تماما أن خطوة كهذه من شأنها أن تعمق الانقسام الفلسطيني وتبعد (حماس) خطوات إضافية عن مطلب المصالحة الوطنية الفلسطينية، لأن المنحة المالية القطرية سوف تساعد (حماس) على امتصاص جزء من النقمة الشعبية الغزاوية وفي نفس الوقت توفر لها الإمكانيات الضرورية لتسيير شؤونها الاستقلالية في القطاع. ظاهريا، تبدو المنحة المالية القطرية لسكان غزة، وموافقة حركة (حماس) على تسلمها، عبر القنوات «الإسرائيلية» طبعا وكأنها تصب في صالح المواطنين الفلسطينيين الذين يعانون من ضيق العيش والأوضاع الاقتصادية والمعيشية الصعبة التي تسببت فيها جريمة الحصار، لكن لهذه المنحة ثمنا سياسيا باهظا جدا على المستوى الوطني الفلسطيني يتمثل في إسهام مثل هذه المساعدات في تكريس الانقسام الفلسطيني وتخريب جهود المصالحة الوطنية، وفي نفس الوقت تصب في مصلحة الهدف «الإسرائيلي» بعيد المدى وهو فصل القطاع عن الضفة الغربية والدفع نحو تحويل القطاع إلى دويلة فلسطينية عوضا عن دولة الضفة والقطاع. السلطة الوطنية الفلسطينية أدركت وحذرت من الخبث السياسي لقادة الكيان الصهيوني، وانعكاس ذلك على مشروع الاستقلال الوطني الفلسطيني، وتساءلت عن الأسباب التي تمنع دولة قطر من تقديم هذه المساعدات إلى الشعب الفلسطيني عبر ممثله الشرعي والوحيد السلطة الوطنية الفلسطينية، من منطلق أن الضفة الغربية وقطاع غزة هما جسم فلسطيني واحد فيجب العمل على تكريس وحدة الجزأين الفلسطينيين أيا تكن الظروف السياسية التي تمر بها الساحة الفلسطينية، ذلك أن المطلوب في مثل هذه الظروف السياسية الفلسطينية الصعبة والمعقدة أن تتضافر الجهود لتذليل الخلافات والصعاب وليس تغليب طرف في مواجهة طرف آخر. السؤال المهم هو: هل دولة قطر، وكذلك حركة (حماس) تعلمان أو تدركان، أو لنقل بعبارات أخف، هل تعيان الخبث السياسي «الإسرائيلي» من وراء موافقة سلطات الاحتلال على تدفق الأموال إلى قطاع غزة، وهي، أي السلطات نفسها هي التي تقود وتنفذ جريمة حصار خانقة على سكان القطاع؟ ألا تدرك دولة قطر وحركة (حماس) أيضا أن هذه الخطوات تسهم في تعميق الانقسام الفلسطيني وتساعد في نفس الوقت على تسهيل تنفيذ المشروع الإجرامي «الإسرائيلي»؛ أي فصل قطاع غزة عن الضفة الغربية ومن ثم وأد طموح الاستقلال الوطني الفلسطيني وإقامة الدولة المستقلة على أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة بعاصمتها القدس المحتلة؟ هناك طرق ووجهات كثيرة يمكن اللجوء إليها من أجل الضغط على «إسرائيل» لإجبارها على تخفيف الحصار الإجرامي عن سكان قطاع غزة، وبإمكان قطر أن تشارك في أي جهد سياسي يستهدف تحقيق ذلك، من دون أن يكون على حساب المصلحة الوطنية الفلسطينية، فما تقوم به قطر بمشاركة حركة (حماس)، حتى إن كان ذا وجه إنساني، فإن توابعه السياسية في المستقبل ستكون وخيمة ولها ارتدادات خطرة على مشروع الاستقلال الوطني الفلسطيني، والمستقبل كفيل بتأكيد ذلك.
مشاركة :