جورج نعمة لـ الجريدة•: أغني «التراث اللبناني» بقالب معاصر يجذب الجيل الجديد

  • 3/20/2019
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

إيماناً منه بالإرث الفني اللبناني قدّم الفنان الملحن والمؤلف والمخرج السينمائي جورج نعمة الأغاني التقليدية بقالب معاصر شبابي على المسرح. ونعمة الآتي من عائلة موسيقية عريقة، استطاع بخطوات متأنية، أن يفرض موقعه في الساحة الفنية اللبنانية. ويستعدّ لإطلاق أغنية مهداة إلى روح الموسيقار ملحم بركات، فضلاً عن حركته الموسيقية المستمرّة لإحياء التراث، ولقاءاته المباشرة مع الجمهور على المسرح. عن الموسيقى والفنّ تحدّث نعمة إلى «الجريدة»، وفيما يلي التفاصيل: * "يا تفيدة"، "يا غيم"، "بتتذكري"، "شو عملتي"، بما تتميّز كل أغنية منها؟ - صحيح أن لكل منها إيقاعها وجوّها الموسيقي الخاص، بل هي تتميزّ بالنمط اللبناني الذي أحاول تقديمه في كل أعمالي الخاصة، فعندما أطلقت أغنية "يا تفيدة" لم يكن واضحا الخط الفنّي الذي أنتهجه بعد، وراهنا بات واضحا التزامي بالأغنية اللبنانية. * هل سنشهد قريباً ولادة أغنية جديدة؟ - قريباً سأطلق أغنية مهداة إلى روح الموسيقار ملحم بركات، وهي من ألحان فادي بندلي الذي كان جزءا من فريقه الموسيقي، أي أنه متطلّع إلى الأسلوب الموسيقي الذي اتبعه الراحل، وسننفذّ هذه الأغنية وفق هذا الأسلوب. * تنبثق من عائلة موسيقية عريقة، فأي أجواء تضفيه الموسيقى على الجوّ العائلي وعلى صقل شخصية الفرد؟ - تؤثر الموسيقى بعامّة على نفسيّة الإنسان وشخصيته، فكيف بمّن نشأ في جو عائلة موسيقية، فكثيرا ما كان هناك من يلحّن أو يعزف آلة موسيقية أو يغنّي في المنزل، وهذا الأمر لا بدّ من أن ينعكس ثقافة موسيقية وغنى على الفرد. بفضل هذا الجوّ لم تعد الموسيقى هواية أو موهبة بالنسبة إلينا، بل نتطلع إليها بجديّة أكثر، وكهدف سامٍ بعيدا من المنطق التجاري السائد. التعلق بالتراث * ما سبب هذا التعلقّ بالموسيقى التراثية والسعي للمحافظة عليها؟ - أي إنسان يسعى إلى الانطلاق في مهنته، وليس في الفنّ أو الموسيقى فحسب، يجب أن يرتكز على أرضية معيّنة واضحة المعالم ليرسم من خلالها مساره المهني. من هنا يجب أن يكون هذا التعلق بالتراث بديهياً، لا مجرّد هوسٍ غير مبرّر. نملك إرثا موسيقيا وتراثا قيّما يضاهي الموسيقى العالمية، لذا وجب على كل إنسان التعلق بالتراث والتقاليد، ولا أقصد بذلك الالتزام باللباس الفلكلوري، بل تقديم هذا الإرث بطريقة جديدة معاصرة تجذب الجيل الجديد. * لاحظنا في الماضي أن الأغنية مرتبطة بهوية الوطن وتقاليد المجتمع وعاداته، وهذا مغيّب راهنًا؟ - أدّت عولمة الموسيقى إلى انفتاح على أفكار موسيقية لا تشبهنا، مما شوّه الأغنيات بهويات غريبة عنّا. من جهة أخرى غاب منطق التخطيط الذي اعتمد في الماضي إبّان الإذاعة اللبنانية التي كانت تغربل الأعمال وتحدد المعايير. عندما نريد أن نقدّم أغنية يجب التفكير في مضمونها، وأي رسائل نوّجه من خلالها، قصة حب، وأغنية وطنية، وأي لحن مناسب لأي أغنية. * ذلك يحتاج أساساً إلى توافر ملحنين وشعراء مبدعين كما في الماضي؟ - لا يخلو أي زمن من أناس عباقرة، لكن المشكلة تكمن في كيفية إيصال هؤلاء والإضاءة عليهم. * من يتحمّل مسؤولية تغييبهم؟ - شركات الإنتاج أولا، عندما يطغى الهدف التجاري على الموسيقى، ويرتبط التسويق الإذاعي والتلفزيوني بالتمويل، فضلا عن أن مواقع التواصل الاجتماعي أفسحت المجال أمام أي كان بالترويج لأعماله بغض النظر عن النوعية، لكنني أؤمن بأن فريق عمل صغير قادر على قلب هذه المقاييس ولا يحتاج الأمر إلى تظاهرات فنيّة. * ما زلنا نطرب لأغان من ستينيات القرن الماضي، فأي فنّ يُقدّم راهنا للجيل القادم؟ - أفكّر في هذا الموضوع على الصعيد الشخصي، ونناقشه في محيطنا، وثمة محاولات من موسيقيين وملحنيّن ومؤلفين شباب لتقديم أعمال جميلة قد لا تأخذ حقّها راهنا، لكنها ستنال موقعها مستقبلا. والمهم برأيي أن يبقى هناك من يعمل لتحقيق ذلك فلا نفقد الأمل، لذلك نحن مجموعة تسعى للمحافظة على جوّ موسيقي معيّن، ويجب احترام الجمهور وتقديم أداء موسيقي حيّ على المسرح، مع الانفتاح المنطقي على ثقافات أخرى. الأغنية اللبنانية * برأيكم ألا تفقد الأغنية اللبنانية هويتها عند الانفتاح على الثقافات الأخرى التي لا تشبهنا؟ - يرتبط الأمر بعولمة الموسيقى، ويجب الاستفادة من الثقافات الأخرى في مكان ما، وإضافتها إلى ما نملك أساسا، أي يجب الانفتاح على الآخر وفي الوقت نفسه المحافظة على ما نملك. من هنا تحدثت عن الأرضية الثابتة للفنان، فإذا كنت ملتزما بالأغنية اللبنانية، لا يحول ذلك دون إدخالي موسيقى الجاز على التوزيع أو الروك، لأن الموسيقى أوسع من حدود البلدان، ولا يمكن حدّها بمقام أو آلة أو بلحن واحد، إنما من دون أن ألغي الهوية اللبنانية للأغنية. في الماضي مثّلت مجموعة فنانين الفنّ اللبناني الأصيل في الخارج وكانوا بمثابة سفراء له، مثل زكي ناصيف وفيروز والرحابنة، وفيليمون وهبة، وديع الصافي وصباح ونصري شمس الدين. فأي تأثير راهن للأغنية اللبنانية في الخارج؟ وأي انطباع لها؟ أصبحت موسيقى تجارية وعالمية لا هوية محددة لها. * أداؤك الأغاني اللبنانية التراثية على المسرح رسالة إلى الشباب للتعرف على هذا التراث الأصيل خصوصا أنك تمثّل جيلهم؟ - طبعا، فتفاعل جمهور الشباب مع ما أقدّم يحفزّني أكثر في مسيرتي. أؤدي الأغنية اللبنانية التراثية بطريقة شبابية قريبة إلى جوّهم محافظا طبعا على اللحن الأساس من دون تشويه فيتعرّف الشباب بذلك على أغانٍ قديمة يردّدونها، وهذا أمر جميل يُشعرني بأنني أقوم بدور مهمّ يدفعني إلى التفكير بالأهداف المقبلة. إنتاج متواضع * تملك القدرات الصوتية والإطلالة والثقافة الفنيّة فما الذي يجعل إنتاجك الموسيقي متواضعاً مقارنة مع فنانين آخرين من جيلك؟ - لست مستعجلا. لديّ ما يكفي من الأعمال الجاهزة للصدور، لكن عامل الإنتاج يتطلب دعما ماديا، في حين أنتج أعمالي بنفسي، وهذا أمر مفرح لأنني حرّ التصرف وأحد لا يحدّ من رؤيتي الفنية، كما لا تهمني الشهرة السريعة بمقدار ثبات خطواتي الفنية. أعطي لكل عمل حقّه، فلا أحرق المراحل، أتأنّى بالخيار وأدرس الأغنيات بشكل تقني دقيق قد يستغرق عاما كاملا. * عندما يختار الفنان طريقاً معيّناً عكس التيار السائد، أي أداة لمعركته؟ - لا أرى نفسي في معركة. برأيي محبّة الناس حصانة، والقناعة بعدم الانجرار وراء السائد والمحافظة على الرؤية الفنية بغض النظر عما يدور من حولنا أيضا. لا يمكن أن أقدّم أغنية ركيكة لحنا أو توزيعا أو أداءً أو كلاما. حالة فنية خاصة * يجب الفصل بين من يشكّل حالة فنيّة خاصة ومن لديه أعمال فنيّة ناجحة؟ - عندما يقرر الفنان أن يشكّل حالة فنية خاصة والتمايز، يجب أن يدرس كل تفاصيل العمل ومتابعة أدق مراحل تكوينه، مما يعطي هوية خاصة للأغنية مختلفة عن السائد. من الطبيعي أن أسعى إلى تقديم أعمال تجارية ناجحة، بل بهوية خاصة قيّمة فنيا. مع الإشارة إلى أن بعض الأعمال يأخذ حقّه بالانتشار بعد سنوات عدّة. مثال ذلك أغنيتي الأولى "يا تفيدة" التي انتشرت بعد سنوات من تقديمها، وذلك إثر نجاح أغنية "شو عملتي" مما جعل الجمهور يبحث عن أعمالي الأخرى، مما سلّط الضوء مجددا على أغنيتي الأولى، لهذا السبب لست مستعجلا على حصد نتائج أعمالي وأنتظر الوقت المناسب. الجمهور * في متابعة لحفلاتك نلاحظ أنك كوّنت أرضية جمهور ثابتة؟ - الحمد الله اعتمدت على التفاعل المباشر على المسرح مع الجمهور من خلال المهرجانات في المناطق والحفلات، وأفتخر بأنني كوّنت هذه الأرضية الثابتة من خلال لقائي بالجمهور والاحتكاك به. ومن الطبيعي أن أشعر بمرحلة ما بخيبة أمل وغياب الدعم والجديّة، لكن المجهود الفردي الجديّ يحقق غايته بالتأني، ومع الوقت، وأنا مثال على ذلك.

مشاركة :