بمناسبة طرح موضوع استقلال القضاء ومخاصمة القضاة أمام مجلس الأمة، أذكر الآتي: لقد جعلت الشريعة الإسلامية القاضي ضامنا إذا أخطأ، وهذا الضمان يكون تارة في بيت المال، إذا ترتب على الخطأ تلف في النفس أو عضو من أعضاء الجسم، وكذلك إذا ترتب على الخطأ هدر في مال الخصوم، وتارة يكون في مال القاضي نفسه إذا تعمد الخطأ أو الجور. والأصل العام في القانون أن كل خطأ يسبب ضرراً للغير يلزم من أحدثه بتعويض المضرور، وهو ما نصت عليه المادة 227 من القانون المدني. والقضاء هو إحدى السلطات الثلاث في الدولة. فكما يحاكم أعضاء السلطتين، التنفيذية والتشريعية، فإن أعضاء السلطة القضائية يجب أن يخضعوا للمحاسبة عن أخطائهم، لا سيما أن خطأ أعضاء السلطة القضائية، إذا حدث، يكون أفدح ضرراً من أخطاء أعضاء السلطتين التنفيذية والتشريعية. وهذا الأمر ليس بدعة، بل هو الأصل العام الذي يجد سنده في الشريعة الإسلامية وفي كل قوانين الدول الدستورية. والمعروف أن قانون المرافعات الكويتي مأخوذ عن قانون المرافعات المصري رقم 77 لسنة 1949 المعدل بالقانون رقم 100 لسنة 1962، وكل قوانين الدول العربية الدستورية المنتمية إلى المجموعة اللاتينية، تضمنت كتابا أو بابا أو فصلا خاصا بمخاصمة القضاة وأعضاء النيابة، ما عدا قانون المرافعات الكويتي رقم 38 لسنة 1980 الصادر بمرسوم إبان كانت البلاد في حالة فراغ دستوري، بسبب حل مجلس الأمة سنة 1976، وقد حذف من هذا القانون موضوع مخاصمة القضاة وأعضاء النيابة الموجود في قانون المرافعات المصري في الفصل الثاني من الكتاب الثالث منه. وقد صدر قانون المرافعات الكويتي وهو مثلوم، إذ لا يتصور وجود سلطة لا يُحاسب أعضاؤها عما يرتكبونه من أخطاء في حقوق الوطن والمواطن، فأعضاء السلطات بشر، مثلما يخطئ أعضاء السلطتين التنفيذية والتشريعية، فإن أعضاء السلطة القضائية معرضون هم أيضا للوقوع في الخطأ. ولذلك فقد ناديت ومنذ اليوم الأول لصدور قانون المرافعات الكويتي بوجوب تلافي هذا النقص التشريعي في القانون الكويتي، حرصا على الحفاظ على نزاهة القضاء وهيبته، ولكن بكل أسف كان الجميع إبان مجلس 1981 منشغلا بالمراسيم الأميرية التي صدرت في فترة حل المجلس، وتلا ذلك أزمة سوق المناخ فأصبح الجميع من حكومة ونواب ومحامين وقضاة منشغلين في إيجاد السبل لعلاج تلك الأزمة، ثم حل المجلس الذي تلاه ودخلنا في أزمة أخرى، حتى حدثت كارثة الغزو الصدامي للكويت. وبعد التحرير وبعد انعقاد أول مجلس أمة تقدمت باقتراح بقانون لبعض الإخوة النواب يحاكي القانون المصري في مخاصمة القضاة وأعضاء النيابة والمطالبة بإقراره ليتم لمرفق القضاء تكامله تشريعيا، إلا أن الأوضاع السياسية لم يتهيأ لها استقرارها بسبب الصدام بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، وراح ذلك الاقتراح أدراج الرياح، ثم تكرر مني إعادة تقديمه في كل فصل تشريعي، وكان آخر مرة سنة 2007، وعلى حد علمي هو اليوم أمام اللجنة التشريعية. إن هذا الاقتراح بقانون في حقيقته هو ضمان وحصانة أساسية للقضاة قبل مرفق القضاء، وينبغي تضافر كل الجهود للسلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية والإعلامية والتجمعات السياسية للعمل على إقراره بصفة مستعجلة، بعد أن اتسع مرفق القضاء وكثر أعضاء السلطة القضائية وكثر عدد المتقاضين وأصبحت نسبة احتمال وقوع الخطأ من قبل أعضاء السلطة القضائية أكبر مما مضى، وتزداد كلما تقدم الزمن، فالحفاظ على هيبة ونزاهة السلطة القضائية يقتضي الإسراع بإقرار هذا القانون. مصطفى الصراف
مشاركة :