يشكل العالم الرقمي محور اهتمام على صعيد العالم. ولكن عندما نتكلم عن الغرب، فإن أول ما يتبادر لأذهاننا عمالقة الإنترنت مثل "جوجل"، و"أمازون"، و"فيسبوك"، ولكن يعد ذلك قصورا في رؤية الأمور؛ ففي آسيا، تتسارع عجلة التطور بشكل يثير الدهشة. فماذا يحدث عندما يلتقي الغرب بالشرق؟ شهد العام الماضي نقطة تحول مهمة، فلأول مرة في التاريخ تتجاوز نسبة مستخدمي الإنترنت في آسيا 50 في المائة من مجموع المستخدمين حول العالم. اليوم، تحتضن منطقة آسيا والمحيط الهادئ أكثر من 50 في المائة من مستخدمي الهواتف الذكية. تتمركز نسبة كبيرة من هؤلاء المستخدمين -أكثر من 21 في المائة، في الصين. حيث يستخدم نصف عدد السكان الإنترنت. وتأتي الهند في المركز الثاني على مستوى العالم بنسبة تقارب 14 في المائة، أي ما يعادل ثلث عدد سكانها. ووصلت نسبة الزيادة السنوية في عدد مستخدمي الإنترنت في الهند إلى 30 في المائة في 2016. بينما تصنف دول آسيوية أخرى مثل إندونيسيا وفيتنام والفلبين ضمن أكثر 15 دولة في العالم تستخدم الإنترنت. يبدو جليا أن ذلك بمنزلة فرصة كبيرة للاعبين العالميين الكبار: عدد أكبر من مستخدمي الـ"فيسبوك"، وعدد أكبر من عملاء "أمازون"، وعمليات بحث أكثر على "جوجل". يبذل هؤلاء اللاعبون قصارى جهدهم لأخذ موقع ريادي في السوق الآسيوية، لكنهم ليسوا الوحيدين. تدار حصة كبيرة من السوق من قبل منصات آسيوية كبرى، مثل "علي بابا" و"تينسنت" و"بايدو" في الصين، و"فليبكارت" للتجارة الإلكترونية و"بايتم" لخدمات الدفع الإلكتروني و"هايك" لخدمة الرسائل في الهند، و"لازادا" للتجارة الإلكترونية في جنوب شرق آسيا. وقد تمكنت هذه المنصات من الصمود أمام عمالقة الإنترنت الأمريكية، ويعزى ذلك بشكل جزئي إلى أسواقها الضخمة والأنظمة المعمول بها في تلك الدول. ومن المؤكد توجد أسباب أخرى عرقلت دخولها مثل عامل اللغة. بالنظر إلى النجاح الكبير الذي حققته منصات أمريكية رائدة، بإمكاننا الاستنتاج أن الشركات الآسيوية ستنمو كنسخة محلية: "علي بابا" و"فليبكارت" على غرار "أمازون"، و"تينسنت" مثل "فيسبوك" و"واتساب"، "بايتيم" مثل "باي بول"، وأخيرا "بايدو" مثل "جوجل". ولكن لا يمكنها أن تكون مطابقة للأصل. فالشركات الرقمية الآسيوية العملاقة وضعت أنظمة مختلفة وغيرت قواعد اللعبة بشكل جذري. كيف حدث ذلك؟ بالطبع يوجد رواد أعمال في آسيا يتبعون نهجهم الخاص، مثل جاك ما من "علي بابا"، الذي يتمتع بالبصيرة كما مارك زوكربيرج، وستيف جوبز ولاري بادج. والأهم من ذلك، الظروف الخارجية في آسيا التي تشكل تحديا بشكل أكبر مما هو عليه الأمر في الغرب، سواء من حيث التنمية الاقتصادية والبنية التحتية، أو التكنولوجيا، ما دفع باللاعبين الآسيويين إلى إيجاد حلول ذكية والتفكير بطريقة مبتكرة. ما الدوافع الرئيسة لهذه الاختلافات؟ أحد أهم العوامل هو اختلاف البنية التحتية للنفاذ إلى الإنترنت. تعتمد شريحة صغيرة من السكان في آسيا على النطاق العريض "البرودباند" كوسيلة للنفاذ للإنترنت؛ بينما تستخدم الأغلبية المحمول. ولذلك آثار واسعة في طريقة الولوج للإنترنت: خلافا لما هو الحال في أوروبا وأمريكا الشمالية حيث يتم إيجاد مئات المواقع عن طريق محركات البحث، إلا أنه في آسيا، يتم الوصول إلى الإنترنت في الأغلب من خلال عدد محدود من التطبيقات. تمتلك أغلب التطبيقات في الغرب خاصية واحدة مثل الدردشة عن طريق "واتساب"، طلب سيارة أجرة عبر "أوبر"، أو عمليات البحث باستخدام "جوجل"، بينما تتمتع التطبيقات في آسيا بعدة خاصيات. على سبيل المثال: "وي تشات" في الصين أشبه بتطبيق "سويس أرمي نايف"، ففضلا عن الدردشة وخدمة الاتصال، يستطيع المستخدم مشاهدة التلفزيون، والولوج لخدمة المصارف، وحجز سيارة أجرة، وطلب الطعام إضافة إلى عديد من الخدمات الأخرى، جميعها متوافرة في تطبيق واحد. واجهة التفضيلات مختلفة أيضا: يفضل المستخدمون في الغرب التعامل مع واجهة بسيطة، وعلى النقيض في الشرق من غير المستحب التعامل مع واجهة فارغة لـ"جوجل" للقيام بعمليات البحث. يعد انخفاض متوسط دخل الفرد في آسيا سببا آخر لهذا الاختلاف. فبالنسبة لعديد من الأشخاص، الاشتراك بباقات الإنترنت يأخذ جزءا كبيرا من ميزانيتهم الشهرية. لذا يكمن الحل في "باقات خفيفة" توفر الولوج إلى المواقع المعروفة دون استهلاك خدمة البيانات بشكل كبير مثل "يوتيوب جو" و"فيسبوك لايت" و"سكايب لايت".
مشاركة :