لا شيء يبقى في دنيانا كما هو، فالتغير هو سنة الحياة، وهذا مبعث ألمنا أوسعادتنا، وسبب معاناتنا أو ارتياحنا، وعندما يحدث التغير والانتقال بشكل مباغت وسلبي فإننا نجد أنفسنا عاجزين عن التكيف أو فعل أي شيء، فكم هو صعب أن ينتقل وعينا وخلال لحظات من الحاضر إلى الماضي، حيث تصبح الأحداث القريبة ذكريات بعيدة مؤلمة، هذا ما يحدث عندما يغيّب الموت إنساناً عزيزاً علينا كان ملء السمع والبصر، وندرك أننا لن نراه ثانية، حالة التغير المفاجئة والقاسية تصدمنا وتجعلنا في حيرة وارتباك وخوف أمام هذا التحدي لأننا نعرف أن كل شيء سيتغير، وأن أيامنا لن تعود كما كانت، فنغرق في الحزن ومشاعر الخسارة. في الأيام الماضية فقدت أخي الغالي صلاح عبدالله الشارخ (عضو مجلس هيئة حقوق الإنسان)، عميد أسرتنا وكبيرها، الكبير بعقله وقلبه وروحه، مرارة فقده لا توصف، افتقده كل الذين عرفوه من الأقرباء والأصدقاء والزملاء لأنهم أحبوه، ماقيل وكتب عنه لم يكن مفاجئاً، فمحاسنه لم تكتشف بعد رحيله فقط، لأن الحب والاحترام والوفاء والعطاء كان نهج حياته وتعامله في البيت والعمل. التفاؤل والتسامح والطموح والانفتاح والانضباط والجد والرضا من القيم التي تمثلت في كل أفعاله، أما الكراهية والتحامل والاستسلام واليأس والكسل فلم تكن يوماً من مفرداته وأساليبه. تسعده أبسط الأشياء لأنه يؤمن أن أي تغيير إيجابي يجلب السعادة، ومع كل صباح كان يشحن روحه بالأمل وشكر الله أنه لا يزال حيّاً يستطيع أن يعمل ويعطي، لم يكن يحب أن يسمع كلمات الشكوى والتذمر، فالحياة قصيرة وعلى الإنسان أن يستمتع بما وهبه الخالق، وأن يقدم كل مايستطيع لأهله ومجتمعه ووطنه حتى آخر يوم من عمره، وهو ما طبقه في حياته، وشهدت عليه سيرته العملية الطويلة العطرة في المجال الإداري والتعليمي والحقوقي. كل مانتذكره عن الحبيب - وهو لقب أطلقه عليه بعض من عرفه - يقول إن علاقته بعائلته وأصهاره وإخوته وأبنائهم وبناتهم لم تكن عادية، فهو من الذين يحرصون على صلة الرحم، ومد الجسور، والتمسك بالمفاهيم والقيم الروحية والاجتماعية للأسرة الصغيرة والكبيرة. في وقفة حزن ووفاء صادقة عبر زوج إحدى بناته عن تعلقه به، وعما تعلمه منه خلال تعايشه معه لسنوات طويلة، وكيف كان تأثيره عليه ليس بالوعظ والنقد والملاحظات، بل بالقدوة والسلوك الحسن قولاً وفعلاً. سنفتقد برحيلك يا أخي تواصلك، وسنحن إلى جلساتنا الممتعة التي كانت تمتد ساعات طويلة بما فيها من أحاديث، ومناقشات، وضحكات، واسترجاع للذكريات. سنفتقد طلّتك الجميلة، وروحك النقيّّة الشابّة، وقلبك المفعم بالحب، وصوتك الدافئ الجميل. رحلت عنا بجسدك، ولكن ذكراك ستبقى في الأذهان والقلوب طوال العمر. نسأل الله أن يؤنسك في وحدتك وغربتك، ويشملك بواسع رحمته، ويدخلك فسيح جناته مع النبيين والطيبين الأطهار. وشكري الخالص لكل الأحبة والأصدقاء الذين عزونا، فقد منحتنا تعازيهم ومواساتهم ومشاعرهم القوة التي ستساعدنا على مواجهة آلام الفقد.
مشاركة :