اللغة في خدمة الفقه - سهام عبدالله الشارخ

  • 4/10/2014
  • 00:00
  • 9
  • 0
  • 0
news-picture

نسب إلى الكسائي عالم اللغة والنحو المعروف قوله:"من تبحر في علم اهتدى به إلى سائر العلوم" فكلما تعلم الإنسان شيئاً أراد المزيد، ومع استمرار الاطلاع يدرك االمتعلم أنه لم يؤت من العلم إلا القليل. ولأن الإنسان يفهم العالم من حوله عن طريق اللغة، فقد ربط كثير من العلماء والفقهاء بين إتقان علوم اللغة العربية وفهم أسرارها وبين فهم الشريعة ونصوص القرآن وتفسيرها والتفقه في الدين وإقامة الحجج، واعتبر بعضهم أن ضعف اللغة سبب في أخطاء بعض الفقهاء والمفسرين، وكان الإمام الشافعي يقول: "لا أُسأل عن مسألة من مسائل الفقه، إلا أجبت عنها من قواعد النحو" وكثيراً ما اهتدى الأوائل إلى أحكام فقهية من خلال علم العربية. ولأهمية اللغة استقطب الخلفاء اللغويين والأدباء والفقهاء، وشجعوا على إجراء المناظرات اللغوية والفقهية في مجالسهم، وأقيمت في عهد هارون الرشيد المعروف باهتمامه بالعلم الكثير من المناظرات التي تبدو فقهية في ظاهرها ولكنها في الأساس لغوية، كأن يجري النقاش والتنافس والتحدي بين قاض ولغوي وشاعر كل معتد بمهنته. وقد وردت في (موسوعة هارون الرشيد) للدكتور سعدي ضناوي حكايات طريفة عما كان يحدث في تلك المناظرات التي كانت تستهوي الرشيد لما فيها من معرفة وفطنة ومتعة، منها أن الكسائي وهو من مؤدبي الرشيد والمفضلين عنده كانت له مهارة في طرح مثل تلك المناظرات، وحدث أن فاجأه فقيه العراق محمد بن الحسن "بسؤاله:" ما تقول فيمن سها في سجود السهو؟ هل يسجد مرة أخرى؟" فيقول الكسائي: لا. ويثبت ادعاءه بأن يقيس جوابه في الفقه قياساً نحوياً لأن جوهر العلوم واحد فالنحاة تقول:" المصغّر لا يصغّر "، فيصمم محمد على إحراجه فيسأله: ما تقول بتعليق الطلاق بالملك؟- كأن يقول إن ملكتك بالزواج فأنت طالق- فيجيب لا يصح، ويقيس ذلك قياساً أدبياً" لأن السيل لا يسبق المطر"، وهكذا لا يكون إحراج". وفي موقف آخر يسأل الكسائي قاضي القضاة أبا يوسف:"هل لك في مسألة؟ قال: نحو أو فقه؟ قال بل فقه. ما تقول في رجل قال لامرأته: أنت طالق أن دخلت الدار. قال إن دخلت الدار طلقت. قال: أخطأت يا أبا يوسف. فضحك الرشيد، ثم قال: كيف الصواب؟ قال إذا قال أن، فقد وجب الفعل وإن قال: إن، فلم يجب ولم يقع الطلاق."، ويستشهد بآية قرآنية لدعم تعليله (تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا، أن دعوا للرحمن ولدا). والكسائي هنا ينطلق من فكرة العلاقة بين تركيب الجملة وبين الحدث المتعلق بها والتي أكدها المشتغلون بالمنطق، وكيف يمكن أن يقع المستمع أو القارئ بسوء الفهم إذا لم يدرك ما يعنيه التركيب اللغوي للعبارة.

مشاركة :