من وقت لآخر نسمع عن قرار بإبعاد بعض أئمة المساجد والعاملين في مجال الدعوة في أوروبا من العرب المهاجرين بتهمة التحريض ونشر خطاب الكراهية بين أفراد الجاليات المسلمة في أوروبا وتأثر عدد من الشباب بذلك الخطاب والتحاقهم بالجماعات القتالية المتطرفة، ولأنهم في دول ديمقراطية لها قوانينها فإن هؤلاء المبعدين يلجأون إلى جهات تحميهم من تنفيذ قرارات الطرد خصوصاً وأنهم يحملون جنسيات تلك الدول. لقد اشتكى كثير من المسلمين المهاجرين من قلة علم وفقه كثير ممن يتولى التوعية الإسلامية في الغرب، وضعف مهاراتهم في التواصل، كما ثبت أن كثيراً من الدعاة يتوجهون بخطاب يحمل هجوماً حاداً على السياسات الخارجية للدول التي يقيمون فيها مع أسرهم ويرتزقون منها. ليس عيباً أن يوجه نقد لتلك السياسات، والقوانين لا تمنع ذلك، ولكن التحريض أو إصدار الفتاوى، أو المشاركة في أنشطة مشبوهة، أو إظهار التعاطف مع مرتكبي الأعمال الإرهابية أمر ترفضه أي دولة لأن فيه تهديداً لأمنها. وإذا كانت تلك التهم مثبتة فالسؤال هنا: لماذا يستغل هؤلاء الحرية المتاحة لهم في دول أوروبا بمثل هذه الأعمال التي لا تعود على الجاليات المسلمة بأي خير؟ هل هذا هو جزاء الدول التي فتحت أبوابها لهم وصانت حقوقهم ومنحتهم فرص العيش الكريم مما لم يجدوه في بلدانهم الأصلية؟ ولماذا لا تختار الهيئات والمراكز الإسلامية أشخاصاً من ذوي العلم والفهم والثقافة للقيام بمهمة الإمامة أو التوعية الدينية؟ يقبل هؤلاء وأمثالهم على العيش في بلاد تقوم سياساتها ودساتيرها على احترام التعددية الفكرية والثقافية والدينية والعرقية وغيرها من الاختلافات بين البشر لأنها تعتبرها مصدر قوة وإثراء لها، ولولا هذه التعددية لما رحبت بهم تلك الدول وقبلتهم مواطنين على أرضها، ومع ذلك يحملون مشاعر التحامل ضد تلك الدول ومواطنيها، ويشعرون بالفوقية والتميز عنهم متناسين قوله تعالى «وخلقناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم» هذا التناقض في موقفهم من مفهوم الحرية والتعددية سبب أزمتهم، فهم يستفيدون من الحرية في ممارسة شعائرهم الدينية والتعبير عن مواقفهم وفي الوقت نفسه يهاجمون تلك المجتمعات ويحرضون ضدها. يبدأ الإرهاب بخطاب التحامل والتحريض مستنداً إلى فكرة الشعور بالأفضلية أو التحيز لرأي أو فكرة أو دين أو مذهب أو عرق أو وطن أو جماعة أو غير ذلك، ثم يبدأ بالتصاعد عندما تتوفر الظروف والمحفزات حتى يصل إلى مرحلة العنف والقتل، ولا يوقف هذا التصاعد إلا العمل الجاد على مستوى الدول والأفراد والجماعات، بالتوعية والتثقيف وسن القوانين المجرمة لأي تجاوز في القول والفعل، ويبقى من المهم العودة إلى مناهج التعليم وتشذيبها، وتدريس الطلاب والطالبات الحقائق كما هي دون تزييف ولا تحريف ولا مبالغة، وتقديم مادة التاريخ، تاريخنا بطريقة علمية محايدة، بإيجابياته وسلبياته، فالأوهام والأكاذيب لا تصنع دولاً ولا حضارات.
مشاركة :