المواطنة ودعم النمو الاقتصادي «1من 3»

  • 3/23/2019
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

ظل مفهوم المواطنة يتطور مع مرور الزمن. فعلى مدار التاريخ، كان الانتماء في المعتاد لجماعة عرقية أو سيد إقطاعي. ومع قيام الدولة القومية في القرن الـ19 ظهرت الحاجة إلى التمييز بين الذين ينتمون للدولة والذين لا ينتمون إليها، ومن ثم كان من الضروري إيجاد أحد أشكال التمييز القانوني بين المواطنين والأجانب. وقد وضعت معظم البلدان وقتئذ، أو لدى استقلالها، "قانونا للجنسية" لا تزال مبادئه الأساسية معمولا بها حتى الآن. ويحدد هذا القانون في معظم الحالات، من هو المواطن وكيفية الحصول على حق المواطنة. ويتمتع المواطنون بحقوق مثل التصويت والقدرة على التنقل بحرية داخل البلد وأهلية العمل بأجر. وعليهم كذلك تحمل مسؤوليات مثل أداء الخدمة العسكرية ودفع الضرائب والتصويت. أما مفهوم المواطنة الحديث فينطوي على رؤيتين متناقضتين. الرؤية الأولى تقوم على إعلان حقوق الإنسان، وهي رؤية شمولية تسمح بمنح الجنسية لأي شخص يستوفي شروطا معينة. والرؤية الثانية، وهي إقصائية بدرجة أكبر، تعرف الوطن على أنه مجتمع يميل أكثر نحو العرقية. ويلاحظ على وجه التحديد أن: - الرؤية الشمولية تنعكس في "قانون رابطة الأرض" jus soli وهو المبدأ الذي ينص على حصول الطفل المولود داخل إقليم بلد ما على جنسية هذا البلد بصورة تلقائية. ووفقا لهذا المنظور، المتعارف عليه غالبا في "العالم الجديد" فإن أواصر المواطنة تمتد لأبعد من رابطة الدم وتشمل أناسا ذوي خلفيات وراثية وجغرافية متنوعة. ويرسخ هذا الأمر لنظام شمولي، يضمن للقادمين الجدد وأطفالهم الاندماج في المجتمع وسهولة الحصول على المواطنة. - أما الرؤية الإقصائية، التي تنعكس في "قانون رابطة الدم" jus sanguinis فتقوم على مبدأ حصول الأطفال على جنسية آبائهم، بغض النظر عن مكان الميلاد، وهو الوضع السائد عادة في معظم أنحاء آسيا وأوروبا وبعض أجزاء من إفريقيا. ويتسم هذا النوع من المواطنة بزيادة التركيز على العرقية وهو بطبيعة الحال أقل شمولية: فالمواطنة هنا تستمد معناها، إلى حد ما، من استبعاد غير المواطنين من الحصول على الحقوق والمزايا الأساسية. وفي مثل تلك الحالات قد ينتمي الفرد لأسرة عاشت في بلد ما لأجيال طويلة دون أن يصبح مواطنا في موطنه الأصلي. وفي الوقت الحالي، هناك عدد متزايد من البلدان التي تعتمد قوانين المواطنة التي تشكل مزيجا من الرؤيتين. فعلى الرغم من اعتماد البلدان غالبا إحدى قاعدتي "قانون رابطة الأرض" أو "قانون رابطة الدم" في بادئ الأمر، اتجه كثير منها أخيرا إلى تعديل سياساتها للتحول إلى المنظور الآخر. ففي عام 1999، أجرت ألمانيا إصلاحات كبيرة على قانون الجنسية القائم على "قانون رابطة الدم"، حيث تتيح للأجانب المقيمين في ألمانيا لسنوات طويلة ولا سيما الأطفال الأجانب المولودين هناك الحصول على الجنسية الألمانية. ومن جهة أخرى، هناك بلدان أخرى كالمملكة المتحدة شددت قواعد "قانون رابطة الأرض" ، حيث لا تمنح الجنسية تلقائيا للأشخاص المولودين على أرضها. ظل قانون رابطة الأرض هو الاختيار السائد تاريخيا في أوروبا القارية، وهو انعكاس للتقاليد الإقطاعية التي كانت تربط الناس بالسيد الإقطاعي الذي ولدوا على أرضه (دراسة 2010 Bertocchi and Strozzi)، وقد وضعت معظم الدول الأوروبية قوانين الجنسية وفقا لهذا النموذج خلال القرن الـ19، وهو ما فعلته اليابان أيضا، حيث صاغت قانونها الدستوري وفقا لنموذج قانون أوروبا القارية. ولكن فرنسا كانت استثناء من هذه القاعدة، فقد حطمت "الثورة الفرنسية" هذه الحلقة الإقطاعية، وأصبح "قانون رابطة الدم" هو السائد. وبنهاية القرن الـ19، تحولت فرنسا إلى "قانون رابطة الأرض" من أجل زيادة تعدادها السكاني، في أعقاب هزيمتها في الحرب ضد روسيا، ولدمج الجاليات الأجنبية فيها، في خطوة نحو تعزيز قوتها العسكرية. غير أن البريطانيين استمروا في تطبيق "قانون رابطة الأرض" في الداخل وفي أرجاء "الإمبراطورية البريطانية". واختارت بلدان مثل الولايات المتحدة اتباع قانون رابطة الأرض، وهو الأمر المتوقع في بلد قوامه الأساسي من المهاجرين. فقد نص التعديل الـ14 للدستور الأمريكي في عام 1868 على اعتماد مبدأ "قانون رابطة الأرض" سعيا على وجه التحديد لحماية حقوق المواطنة بالمولد للعبيد السود. ولكن المنافع المحدودة نسبيا لحقوق المواطنة مقابل حقوق الإقامة في الولايات المتحدة -وهو موضوع ذو أهمية تتجاوز الولايات المتحدة في حد ذاتها، ويستحق الدراسة بصفة مستقلة- تعني أيضا التكاليف المحدودة من المالية العامة لمنح حقوق المواطنة للقادمين الجدد والمزايا المحتملة لتوفير أيد عاملة إضافية. فتكلفة تعليم المهاجرين تحملتها بلدان موطنهم الأصلي؛ (دراسة 2010 Bertocchi and Strozzi) وبالمثل، رحبت كندا، البلد الشاسع قليل السكان، بالمهاجرين من خلال اعتمادها قانون المواطنة القائم على أساس "رابطة الأرض...يتبع.

مشاركة :