عندما تقوم مجموعة من غير المواطنين بدور كبير غير متناسب في الحياة الاقتصادية، فإن افتقارها للحماية التي توفرها الدولة يشكل مصدرا للقلق. فنتيجة لزيادة تعرض هذه الأقليات المؤثرة للخطر فإنها تصبح متحمسة للتأثير في العملية السياسية في البلاد وقد تلجأ إلى دفع الرشا، ما يشجع على انتشار الفساد وإضعاف المؤسسات. الحد من كفاءة القطاع العام: توثق الدراسات كيفية مساهمة الانقسامات سواء العرقية أو الدينية أو على أساس اللغة، غالبا في إضعاف أداء القطاع العام، وزيادة المحسوبية، وتخفيض مستويات الثقة بين السكان، وفي النهاية الإضرار بالتنمية الاقتصادية. أما تشويه سوق العمل: في ظل قانون رابطة الدم، قد تستبعد الأقليات المحلية من غير المواطنين من بعض أجزاء سوق العمل. وفي بلدان كثيرة نجد أن المهاجرين ممنوعون من ممارسة مهن معينة بالكامل. فالأجانب في تايلاند، على سبيل المثال، لا يحق لهم ممارسة مهنة مصففي الشعر أو المحاسبين. وفي فرنسا، لا يحق لغير مواطني الاتحاد الأوروبي شغل وظيفة مدير شركة خدمات الجنازات. وفي مثل هذه الحالات، نجد أن قانون رابطة الأرض يوسع نطاق سوق العمل على نحو لا يتحقق من خلال قانون رابطة الدم، ما يوسع على الأرجح قاعدة العمالة ويرفع كفاءة الاقتصاد. وتؤكد نتائجنا التجريبية أن اختلاف قوانين الجنسية يؤثر في النمو الاقتصادي، حتى بعد تحييد أثر العوامل الداخلية المحتملة. فقد قمنا في البداية بإعداد مجموعة جديدة من بيانات قوانين الجنسية ثم أعددنا تقديرات عما إذا كانت قوانين الجنسية بإمكانها إلى حد ما تفسير الفروق الكبيرة في نصيب الفرد من الدخل في مختلف البلدان. ووجدنا أن قوانين الجنسية في الاقتصادات النامية، خاصة في ظل ضعف المؤسسات، تحدث فرقا: حيث اتضح لنا أن قانون رابطة الأرض، الذي يتسم بطابع أكثر شمولية ويشجع الاستيعاب والاندماج، له أثر إيجابي وذو دلالة إحصائية على مستويات الدخل. وتشير نتائج دراستنا إلى أن نصيب الفرد من الدخل في البلدان التي تحولت إلى قانون رابطة الدم كان أقل في عام 2014 "بنحو 46 في المائة" ما كان ليصل إليه لو حافظت هذه البلدان على تطبيق قانون رابطة الأرض بعد استقلالها. وإضافة إلى ذلك، خلصت دراستنا البحثية إلى أن فجوة الدخل في البلدان التي تطبق قانون رابطة الدم مقارنة ببلدان قانون رابطة الأرض كان من الممكن تقليصها بتيسير الحصول على الجنسية من خلال الزواج وإجراءات اكتساب الجنسية. وهذا يعني أن هناك قدرا من إمكانية الاستعاضة ببعض مسارات الحصول على الجنسية بغيرها. ظل الجدل دائرا حول قوانين الجنسية خال السنوات القليلة الماضية ليس فقط في الاقتصادات المتقدمة بل في الاقتصادات النامية أيضا. وتوضح دراستنا أن تلك القوانين تأثيرها أكبر في التنمية في البلدان منخفضة الدخل، ما يرجع جزئيا لضعف مؤسساتها أكثر من سواها ولعدم موازنتها بالضرورة للتأثير السلبي لقوانين الجنسية الإقصائية. والانعكاسات على مستوى السياسات واضحة، وإن كان يشوبها بعض الاختلاف. ففي الوقت الذي يتزايد فيه خروج المهاجرين من الاقتصادات النامية ووفود المهاجرين إليها، يتبين أن فعالية إدماج هذه الجماعات السكانية في المجتمع بإمكانها إعطاء دفعة للتنمية الاقتصادية. ففي البلدان المستعمرة سابقا على وجه التحديد، نجد أن قانون رابطة الدم أضر بالتنمية. ومع تساوي كل العوامل الأخرى، فإن التحول من قانون رابطة الدم إلى قانون رابطة الأرض ربما يمكنه تعزيز الاندماج وإعطاء دفعة للنمو الاقتصادي.
مشاركة :